وقيل: (مِن) متعلقة بقوله: ﴿أَخَذْنَا﴾، أي: وأخذنا مِن الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم (١).
وهذه الجملة عطف على قوله: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ (٢).
قيل: وإنما قيل: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾، ولم يقل: ومن النصارى؛ لأنهم ابتدعوا النصرانية وسموا أنفسهم بها ادعاء لنصرة الله، وهم الذين قالوا لعيسى عليه السلام: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ (٣) على ما فسر (٤).
فإن قلتَ: هل يجوز تقديم قوله: ﴿أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ﴾ على قوله: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾؟. قلت: لا، لأجل أن فيه إضمارًا قبل الذكر لفظًا وتقديرًا.
قال أبو الحسن: هذا كما تقول: مِن زيدٍ أخذتُ دِرهمه (٥)، ولا يجوز أخذت درهمه من زيد.
وقوله: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ (فأغرينا) عطف على قوله: ﴿فَنَسُوا﴾، أي: فألصقنا وألزمنا، من غَرِيَ بالشيء، إذا لزمه ولصق به وأغراه غيره، ومنه الغِراء الذي يُلْصَقُ به الشيء يكون من السَّمَكِ (٦)، إذا كَسَرْتَ الغين مَدَدْتَ، وإذا فتحتَ قَصَرْتَ (٧)، تقول منه:
(٢) من أول الآية (١٢) المتقدمة.
(٣) سورة آل عمران، الآية: ٥٢.
(٤) الكشاف ١/ ٣٢٨. ونسب ابن الجوزي ٢/ ٣١٥ هذا القول إلى الحسن، وحكى عن قتادة: أنهم كانوا بقرية يقال لها: الناصرة، فسموا بها.
(٥) هذا لفظ النحاس، وسبق تخريجه عند أبي الحسن الأخفش قبل قليل.
(٦) في (أ): من (المسك). وهي كما أثبتها في الصحاح، واللسان، والقاموس، ولا أدري كيف حُرِّفت في المطبوع إلى (الصمغ).
(٧) يعني إذا فتحت الغين قلت: غَرى. وإذا كسرتها قلت: غِراء.