وقوله: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ كرر (بين) هنا لقبح العطف على المضمر المجرور إلّا بتكرير الجار.
﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ﴾ الهاء في ﴿فَإِنَّهَا﴾ راجعة إلى الأرض المقدسة، أي: فإن الأرض المقدسة محرمة عليهم لا يدخلونها ولا يملكونها.
و﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾: ظرف للتيه في قول الحسن، وقتادة، قالا: لم يدخلها أحد منهم. وقال غيرهما: ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ ظرف للتحريم (١).
و﴿يَتِيهُونَ﴾: في محل النصب على الحال من الهاء والميم في ﴿عَلَيْهِمْ﴾.
ومعنى ﴿يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾: يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون سبيلًا، يقال: تاه في الأرض، إذا ذهب فيها متحيرًا يَتيه تِيهًا وتَيَهانًا.
والتِّيه: المفازة التي يُتاه فيها، والجمع: اتْياهٌ وأتاويهُ.
وقوله: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ أي: فلا تجزن عليهم، يقال: أَسِيَ على فلان يَأْسَى بكسر الجين في الماضي وفتحها في الغابر أَسىً، إذا حَزِن، واختلف في ألف يأسى، فقيل: بدل من واو، وقيل: من ياء.
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ

(١) خرّج الطبري ٦/ ١٨١ - ١٨٤ القولين، ورجح الثاني، وانتصر الزجاج ٢/ ١٦٥ للأول، وأجاز الفراء ١/ ٣٠٥، والزمخشري ١/ ٣٣٢ القولين دون ترجيح. وانظر تفصيلًا مفيدًا في مشكل مكي ١/ ٢٢٥ - ٢٢٦.


الصفحة التالية
Icon