وقد جُوِّزَ أن يكون ﴿مُصَدِّقًا﴾ حالًا من الكاف في ﴿إِلَيْكَ﴾ (١).
و﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾ في موضع الحال من المستكن في الظرف.
قيل: فإن قيل: أيُّ فَرْقٍ بين التعريفين في قوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ وقوله: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾؟ قيل: الأول تعريف العهد؛ لأنه عُني به القرآن. والثاني تعريف الجنس؛ لأنه عني به جنس الكتب المُنَزَّلة، ويجوز أن يقال: هو للعهد، لأنه لم يُرَدْ به ما يقع عليه اسم الكتاب على الإِطلاق، وإنما أريد نوع معلوم منه، وهو ما أنزل من السماء سوى القرآن (٢).
و﴿وَمُهَيْمِنًا﴾: عطف على ﴿مُصَدِّقًا﴾، وهو حال أيضًا، قيل: وأصله مُؤَيْمِنٌ، من آمن غيره من الخوف، وأصله: أأْمَنَ فهو مُآمِنٌ مُأَفْعِلٌ منه، فَسُهِّلَتِ الهمزةُ الثانية كراهة اجتماعهما بأن قلبت ياء، وكان القياس أن تقلب ألفًا فبقي (مُؤَيْمِن)، ثم أُبدل من الهمزة هاء، كما أبدلوا في أَرَقْتُ الماءَ حين قالوا: هَرَقْتُهُ (٣).
والجمهور على كسر الميم، وقرئ: (ومهيمَنًا) بفتحها (٤)، أي: هُوْمِنَ عليه، بأن حُفِظَ من التغيير والتبديل، يقال: هَيْمَنَ على الشيء يُهيمن فهو مُهَيْمِن، وذاك مهيمَن، إذا كان حافظًا له.
قيل: والذي هيمن عليه: الله عز وجل ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (٥) أو الحُفّاظُ في كل بَلَدٍ، لو حُرِّفَ حَرْف منه، أو حركة، أو

(١) أجازه ابن عطية ٥/ ١٢٠.
(٢) الكشاف ١/ ٣٤٢.
(٣) انظر معاني الزجاج ٢/ ١٨٠. ومعاني النحاس ٢/ ٣١٨، والمحرر الوجيز ٥/ ١١٩، وزاد المسير ٢/ ٣٧٠. وحكوه عن المبرد.
(٤) هي قراءة مجاهد، وابن محيصن، انظر معاني النحاس ٢/ ٣١٨. وتفسير ابن عطية ٥/ ١١٦.
(٥) سورة الحجر، الآية: ٩.


الصفحة التالية
Icon