﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾ (ذلك): رفع بالابتداء، و ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾: خبره، والإِشارة إلى ما ذكر من نبأ زكريا ويحيى ومريم وعيسى - عليه السلام -، أي: أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي.
ولك أن تجعل ﴿نُوحِيهِ﴾ خبر ﴿ذَلِكَ﴾، و ﴿مِنْ أَنْبَاءِ﴾ حالًا إما من (ذا) والعامل فيها معنى الإِشارة، وإما من الهاء في ﴿نُوحِيهِ﴾ الراجعة إلى (ذا)، لأن العامل متصرف.
وقال أبو جعفر: التقدير: الأمر ذلك، فيكون ﴿مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾ حالًا من (ذا) (١).
وقوله: ﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾ (إذ): ظرف للاستقرار الذي تعلق به ﴿لَدَيْهِمْ﴾، ومثله ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾.
والأقلام: الأزلام، وهي قِداحهم التي كانوا يُجِيلُونَها (٢) عند العزم على الأمر، وقيل: هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة، اختاروها لِلقُرْعَةِ تبركًا بها (٣)، واحدها قَلَمٌ، وسمي قلمًا لتقليمه، وهو قطعه (٤).
قوله تعالى: ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ﴾ مبتدأ وخبر، في موضع نصب بفعل دل عليه ﴿يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾، أي: يلقونها ينظرون أيهم يكفل، أو يقولون: أيهم يكفل.

(١) انظر قول أبي جعفر النحاس في إعرابه ١/ ٣٣١، وقد تقدمت ترجمته.
(٢) رسمت هذه الكلمة في (أ) هكذا: (يحتلوا بها). وفي (ب): (يحيلونها عند القوم). وفي (ط): (يطرحونها).
(٣) كذا هذا القول في الكشاف ١/ ١٨٩، وانظر زاد المسير ١/ ٣٨٨.
(٤) انظر معاني الزجاج ١/ ٤١٠ - ٤١١.


الصفحة التالية
Icon