بالنصب (١)، على النداء، وقد اختيرت هذه القراءة لما فيها من معنى الاستكانة والتضرع (٢). ولك أن تنصبه على إضمار أعني، وقد جوز رفعه على إضمار هو (٣)، وهو معترِض بين القسم والمقسَم عليه، وجواب القسم ﴿مَا كُنَّا﴾.
﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا﴾ (كيف) نصب بكذبوا دون ﴿انْظُرْ﴾؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
وقوله: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ (ما) موصول مرفوع بضل، أي: وغاب عنهم ما كانوا يفترونه، أي: يفترون ربوبيته وشفاعته. وقيل: ﴿مَا﴾ مصدرية بمعنى عَزَبَ عنهم افتراؤهم لدهشتهم وذهول عقلهم (٤).
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ (مَن) بمعنى الذي في موضع رفع بالابتداء، و ﴿وَمِنْهُمْ﴾ الخبر، وأفرد المستكن في الفعل حملًا على لفظ ﴿مَنْ﴾ دون معناه.
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ (أكنة) جمع كنان، كأعنة في جمع عنان، والكنان الغطاء.
(٢) انظر إعراب النحاس ١/ ٥٤١.
(٣) انظر هذه الأوجه مجتمعة في معاني الزجاج ٢/ ٢٣٦.
(٤) هكذا أيضًا نقله القرطبي ٦/ ٤٠٢. وفسرها ابن عطية ٦/ ٢٦ أيضًا بما يقتضي كونها مصدرية، وإليه نسبه أبو حيان ٤/ ٩٦.