كَذَّبه، إذا جعله كاذبًا في زعمه، أو من كَذَّبه، إذا قال له: كذبت.
وقرئ: (لا يُكْذِبونك) بإسكان الكاف وتخفيف الذال (١)، من أكذبه، إذا وجده كاذبًا، كقولك: أحمدته، إذا وجدته محمودًا. وقيل: أكذبته وكذبته بمعنى: نسبته إلى الكذب (٢).
قيل: والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى الله؛ لأنك رسوله المُصَدَّقُ بالمعجزات، فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته (٣).
وقيل: فإنهم لا يكذبونك لأنك عندهم الصادق الموسوم بالصدق، ولكنهم يجحدون بآيات الله، يعضده ما روي أن أبا جهل كان يقول: ما نكذبك وإنك عندنا المُصَدَّقُ، وإنما نكذب ما جئتنا به (٤).
وقيل: فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم، ولكنهم يجحدون بألسنتهم (٥). والباء من ﴿بِآيَاتِ﴾ متعلقة بقوله: ﴿يَجْحَدُونَ﴾، على تضمين الجحد معنى التكذيب.
فإن قلت: ما حملك على هذا التضمين، ولولا بَقَّيْتَ الجَحْدَ على بابه؟ قلت: حملني على ذلك إتيان الباء في قوله: ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾؛ لأن الجحد يتعدى بغير الجار. وقيل: هي متعلقة بالظالمين، كقوله جل ذكره: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ (٦).
﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)﴾:
(٢) قاله الفارسي في الحجة ٣/ ٣٠٢ - ٣٠٣ وحكاه عن سيبويه. وانظر الكتاب ٤/ ٦٢.
(٣) الكشاف ٢/ ١٠ - ١١.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٢، والماوردي ٢/ ١٠٧ عن ناجية بن كعب.
(٥) قاله الزمخشري ٢/ ١١. وشطره الأول للزجاج ٢/ ٢٤٢.
(٦) سورة الإسراء، الآية: ٥٩. وانظر القول في التبيان ١/ ٤٩٢.