قوله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾، أُنِّثَ الفعل على إرادة الجماعة. و ﴿مِنْ﴾ متعلقة بـ ﴿كُذِّبَتْ﴾. فإن قلت: هل يجوز أن تكون في موضع الرفع على النعت للرسل؟ قلت: لا؛ لأن الرسل جثة، و ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ ظرف زمان، والزمان لا يكون [وصفًا للجثة، كما لا يكون] (١) خبرًا عنها.
وقوله: ﴿عَلَى مَا كُذِّبُوا﴾ (ما) مصدرية. ﴿وَأُوذُوا﴾: عطف على ﴿كُذِّبُوا﴾، أي: على تكذيبهم وإيذائهم.
و﴿حَتَّى﴾: غاية لصبروا متعلقة به، أي: فصبروا على ذلك إلى أن أتاهم نصرنا، ولك أن تجعلها غاية لقوله: ﴿وَأُوذُوا﴾، والوقف على هذا على قوله: ﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا﴾.
وأصل أوذوا: أوذيوا، فاستثقلت الضمة على الياء فأزيلت عنها بأن أُلقيت على الذال بعد أن حذفت حركتها؛ لأنها لا تتحرك بحركة وهي متحركة بأخرى، أو حذفت حذفًا، وضُمَّتِ الذال لِتصحَّ الواو، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين، هي والواو.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ فإن قلت: (جاء) مسند إلى ماذا؟ قلت: أما على رأي صاحب الكتاب رحمه الله: فإلى مضمر فيه، تقديره: جاءك نبأٌ من نبأ المرسلين، وإنما أضمر للعلم به، ولدَلالة المذكور عليه (٢).
وقيل: المضمر المجيء (٣).
وأما على رأي أبي الحسن: فإلى قوله من نبأ المرسلين (٤)، لأنه يجيز
(٢) كون الفاعل مضمرًا، مقدرًا بـ (نبأ) عزاه ابن عطية ٦/ ٤٢ إلى الطبري، والرماني.
(٣) لم يذكر ابن الأنباري ١/ ٣٢٠ غيره. وقدمه العكبري ١/ ٤٩٢ على الأول.
(٤) يعني أن نبأ مجرور لفظًا مرفوع محلًا فاعل لـ (جاء).