قوله عز وجل: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (الذين): هنا يحتمل أن يكون في موضع رفع، وأن يكون في موضع نصب؛ إن قَدَّرْتَهُ في موضع رفع: فهو رفع بالابتداء و ﴿فَأُعَذِّبُهُمْ﴾ الخبر، وإن قدّرته في موضع نصب: فهو منصوب بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر وهو ﴿فَأُعَذِّبُهُمْ﴾، تقديره: فأما الذين كفروا فأعذب فأعذبهم، ثم حذف الأول لدلالة الثاني عليه، وفي التنزيل: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ (١) بالرفع على الابتداء، والخبر ﴿فَهَدَيْنَاهُمْ﴾. وقرئ بالنصب (٢)، على إضمار فعل يفسره هذا الظاهر، أي: وأما ثمودَ فهدينا فهديناهم.
فإن قلت: لِمَ قَدَّرْتَ الفعل بعد الصلة وبعد ثمود، وهلا قدرت قبلهما؟ قلت: لأن (أما) حرف فيه معنى الشرط مضمنًا معنى الفعل، والفعل لا يلي الفعل، فاعرفه وقس عليه ما ورد عليك من نظائره في التنزيل مما لم يظهر فيه الإِعراب، كنحو: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ (٣).
﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ﴾ الإشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وزكريا - عليه السلام - وغيرهما، وهو مبتدأ خبره ﴿نَتْلُوهُ﴾.
و﴿مِنَ الْآيَاتِ﴾: يحتمل أن يكون خبرًا بعد خبر، وأن يكون حالًا من الهاء في ﴿نَتْلُوهُ﴾.
أو خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر ذلك، و ﴿نَتْلُوهُ﴾: حال من (ذا)
(٢) ذكرها سيبويه ١/ ٨٢ (وأما ثمودَ فهديناهم) عن بعضهم، وقال النحاس ٣/ ٣٣ بالنصب والتنوين (وأما ثمودًا فهديناهم) ونسبها إلى الأعمش وعاصم في رواية، وقال: وهي معروفة عن عبد الله بن أبي إسحاق.
(٣) سورة النساء، الآية: ١٧٣.