أحدهما: أن تكون مصدرية، أي: لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، والفعلان معها - أعني ﴿آتَيْتُكُمْ﴾ و ﴿جَاءَ﴾ - في معنى المصدر. واللام في (لِمَا) للتعليل متعلقة بقوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ﴾، على معنى: أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه لأجل أني آتيتكم الكتاب والحكمة، وأن الرسول الذي أَمركم بالإِيمان به ونُصرته موافق لكم غير مخالف.
والثاني: أن تكون (ما) موصولة، على معنى، أخذ الله ميثاق المذكورين للذي آتاهم، وذلك أن من يؤتى الكتاب والحكمة يؤخذ عليهم الميثاق لما أوتوه من الكتاب والحكمة، لأنهم الأكابر، والقول فيما يقتضيه قوله: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ من الذكر الراجع الى الموصول ما سلف ذكره آنفًا في قول من فتح اللام وجعل (ما) موصولة.
والجمهور على تخفيف الميم في (لَمَا)، وقرئ: (لَمَّا) بالتشديد (١)، وقيل فيه وجهان:
أحدهما: أنه بمعنى حين، واختلف في العامل فيه على وجهين:
أحدهما - أنه محذوف تقديره: حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسول مصدق له وجب عليكم الإيمان به ونصرته. والثاني - أنه أخذنا، أي: أخذنا ميثاقهم حين آتيناهم شيئًا من الكتاب والحكمة، ورَجَعَ من الغيبة إلى الخطاب، كما رجع من الخطاب إلى الغيبة في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ (٢) ثم قال: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ على المألوف من مذهب القوم.
والثاني: أن أصله (لمن ما) فاستثقل اجتماع ثلاث ميمات: وهي الميمان، والميم المنقلبة عن النون لأجل إدغامها في الميم، فحذفت إحداها
(٢) سورة يونس، الآية: ٢٢.