وقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ (عنها) يحتمل أن يكون من صلة السؤال على التقديم والتأخير، و (عن) على بابها، ومعمول ﴿حَفِيٌّ﴾ محذوف حذف للعلم به، والتقدير: يسألونك عنها كأنك حفي بها، أي عالم بها أو بهم، على ما يأتي بيانه إن شاء الله.
والحفي: العالم الذي يتعلم الشيء باستقصاء، يقال: أحفى فلان في المسألة، إذا ألحّ فيها وبالغ.
وحفِي بفلان يحفَى، بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر حفاوة، وتحفَّى به، إذ بالغ في البِرِّ به، والحفيُّ أيضًا: المستقصي في السؤال، قال الأعشى:

٢٤١ - فإنْ تَسْأَلي عنِّي فيا رُبَّ سَائلٍ حَفِيٍّ عن الأَعشَى به حيث أَصْعَدا (١)
أي: يسألونك عنها كأنك أكثرت السؤال عنها حتى علمتها.
وقيل: إنَّ قريشًا قالوا: إنَّ بيننا وبينك قرابة، فقل لنا متى الساعة؟
فقيل: يسألونك عنها كأنك حفي تتحفى بهم، فتخصهم بتعليم وقتها لأجل القرابة وتَزْوِي علمها عن غيرهم (٢). ومنه: ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ (٣) أي: بارًا معنيًا.
وحفيٌّ فعيلٌ بمعنى مُحْفٍ، أو بمعنى فاعل على التأويلين، وأن يكون من صلة حفي، ولا يكون في الكلام تقديم ولا تأخير.
(١) من قصيدة طويلة في مدح النبي - ﷺ -، انظرها في سيرة ابن هشام ١/ ٣٨٦ - ٣٨٨. والبيت من شواهد ابن فارس في مقاييس اللغة ١/ ٨٣. والجوهري في الصحاح (حفي).
(٢) هكذا في الكشاف ٢/ ١٠٨. وأخرجه الطبري ٩/ ١٤٠ عن قتادة. وانظر أسباب النزول للواحدي/ ٢٣١/.
(٣) سورة مريم، الآية: ٤٧.


الصفحة التالية
Icon