قوله عز وجل: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ﴾ المراد بالشر: الجنس والكثرة، ولذلك جمع الخبر، ولو أفرد فقيل: الأصم، لكان جائزًا في الكلام على اللفظ، والأصل أشر، وإنما حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال مع العلم بها، وهو أصل مرفوض، يقال: فلان شَرُّ الناس، ولا يقال أَشَرُّ الناسِ إلَّا في لغة رديئة.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)﴾:
قوله عزَّ وجلَّ: ﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ﴾ الجمهور على إسكان الراء، وقرئ: بتشديدها على إلقاء حركة الهمزة عليها فصارت (بين المرّ) (١)، ثم نوى الوقف فأسكن وشدد على لغة من يقول: هذا خالدٌ وجعفرّ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف.
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٥)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ يحتمل أن يكون في موضع الصفة لـ ﴿فِتْنَةً﴾ على إرادة القول، كأنه قيل: واتقوا فتنة مقولًا فيها: لا تصيبن الظالمين منكم خاصة، بل تعم الناس أجمعين.
وأن يكون نهيًا بعد أمر، كقوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ (٢)، فالنهي في اللفظ لسليمان - عليه السلام - وجنوده، وهو في المعنى للنمل، ونظيره ما حكاه صاحب الكتاب - رَحِمَهُ اللهُ -: لا أرينَّكَ ها هنا (٣). أي: لا تكن ها هنا، فإنه من يكن ها هنا أره، فلفظ النهي

(١) قراءة شاذة نسبت إلى الحسن، والزهري. انظر المحتسب ١/ ٢٧٦. والمحرر الوجيز ٨/ ٤٠. وحرّفت في الأخير كلمة (الزهري) إلى (الزبيدي). وانظر البحر ٤/ ٤٨٢.
(٢) سورة النمل، الآية: ١٨.
(٣) الكتاب ٣/ ١٠١.


الصفحة التالية
Icon