والثاني: على الحذف دون الظرف، لخروجه عن الإِبهام بالحدّ، كحد الدار وشبهها، أي: على صراطك، كما قيل: ضُرب زيدٌ الظَّهْرَ والبطنَ، أي: على الظهر والبطن، وهو اختيار أبي إسحاق، قال: ولا اختلاف بين النحويين في أن (على) محذوفة، وذَكَر المثال المذكور آنفًا (١).
ومعنى قعوده على الصراط: قعوده على طريق الحق وهو الإسلام، ليصدّ عنه بالإِغواء على ما فسر (٢).
﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (١٧)﴾:
قوله عز وجل: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ﴾ من الجهات الأربع (٣) التي يأتي منها العدو في الغالب، قيل: وهذا مَثَلٌ لوسوسته إليهم، وتسويله ما أمكنه وقدر عليه، كقوله: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ﴾ الآية (٤).
وقوله: ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ انتصاب ﴿شَاكِرِينَ﴾ على المفعول الثاني لا على الحال كما زعم بعضهم، لعدم الفائدة على ﴿أَكْثَرَهُمْ﴾ دون ﴿شَاكِرِينَ﴾، أي: ولا تجد أكثرهم موحِّدين، وهو معنى قول ابن عباس - رضي الله عنهما - يريد: أن أكثرهم لإِبليس طائعون ولله عاصون (٥).
(١) انظر معانيه ٢/ ٣٢٤.
(٢) هذا تفسير مجاهد كما في النكت والعيون ٢/ ٢٠٦.
(٣) هذا قول الزجاج ٢/ ٣٢٤. وتبعه الزمخشري ٢/ ٥٦. وعن ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾: من الدنيا، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: من الآخرة، و ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾: من قبل حسناتهم. ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾: من قبل سيئاتهم. انظر جامع البيان ٨/ ١٣٦. ومعاني النحاس ٣/ ١٧. والنكت والعيون ٢/ ٢٠٧.
(٤) سورة الإسراء، الآية: ٦٤. وانظر القول في الكشاف ٢/ ٥٦.
(٥) أخرج الطبري ٨/ ١٣٨ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن معنى قوله: ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ يقول: موحدين.