قوله عز وجل: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ الجمهور على تخفيف ياء ﴿لَنْ يُصِيبَنَا﴾ لأن ماضيه أصاب، وهي منقلبة عن واو بشهادة قولهم: الصواب، وصاب السهم يصوب، ومصاوب في جمع مصيبة، فإذا فهم هذا، فقرئ: (لن يصيّبنا) بتشديد الياء (١)، على أنه يُفيعل، وأصله يصيوبنا، فاجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء، فبقي (لن يصيّبنا) كما ترى لا يُفعَّلُ؛ لأنه من ذوات الواو بالدلائل المذكورة، اللهم إلَّا أن يكون من لغة من يقول: صاب الهدف يَصِيبه، كباعه يَبيعه، ومنه قول الكميت (٢):
٢٦٥ - أسهُمُهَا الصائِباتُ والصُيُب (٣)
فيكون يُفعِّلُنا منه.
و﴿مَا﴾ موصولة مرتفعة بقوله: ﴿لَنْ يُصِيبَنَا﴾، واللام في قوله: ﴿لَنَا﴾ للاختصاص، كالتي في قولك: السرج للدابة.
﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢)﴾:

(١) نسبت هذه القراءة هكذا إلى طلحة بن مصرف، وأعين قاضي الري. انظر المحتسب ١/ ٢٩٤ وفيه صُحف الاسمان إلى اسم واحد، والتصحيح من المحرر الوجيز ٨/ ١٩٩ حيث وهّم ابنُ عطية أبا الفتح في ضبط هذه القراءة، ونقلها عن أبي حاتم عن عمرو بن شفيق أنه سمع أعين قاضي الري يقرأ: (قل لن يصيبنّا) النون مشددة. قلت: هي هكذا أيضًا بتشديد النون عند النحاس في إعرابه ٢/ ٢٣. وأما قراءة طلحة فقد حكاها النحاس، وابن عطية (هل يصيبنا) بإبدال (لن) بـ (هل) وحكاها الزمخشري ٢/ ١٥٦ (هل يصيّبنا) بتشديد الياء.
(٢) هو أبو المستهل الكميت بن زيد شاعر بني هاشم، كان كثير الشعر، معلمًا للصبيان، أصم لا يسمع شيئًا. وقال ابن قتيبة: كان الكميت شديد التكلف في الشعر، كثير السرقة فيه.
(٣) هكذا روي هذا الشطر، ولم أجد من ذكر تتمته. وانظره في المحتسب ١/ ٢٩٤. واللسان (صيب) وفيهما: (الصائدات) بالدال. وذكره الزمخشري ٢/ ١٥٦ والسمين الحلبي ٦/ ٦٤ عنه لكن فيهما: (أسهمي).


الصفحة التالية
Icon