وأجاز المبرد إعمالها مع التخفيف (١). قلت: وبه قرأ نفر من القراء في قوله: ﴿وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ (٢) غير أن الرفع أجود؛ لأنها إنما تعمل بشبه الفعل وقد زال الشبه.
وقيل: التقدير: وآخر دعواهم أن يقولوا الحمد لله، وليس بشيء (٣).
قال أبو الفتح: ولو قرأ قارئ إنّ الحمد بكسر الهمزة على الحكاية للفظ بعينه لكان جائزًا، لكن لا يُقْدَمُ على ذلك إلَّا أن يَرِدَ به أثرٌ وإن كان في العربية سائغًا، وإذا فَتح فقال: أنَّ الحمد لله، فلم يَحْكِ اللفظ بعينه، وإنَّما جاء بمعنى الكلام، كقولنا: بلغني أن زيدًا منطلق، فليس هذا على حكاية ما سمع لفظًا، ألا تراه إذا قيل له: قد انطلق زيد، فقال: بلغني أن زيدًا منطلق، كان صادقًا وإن لم يؤدِّ نفس اللفظ الذي سمعه، لكنه أدى معناه، وإن كسر فقال: إنّ الحمد لله، فهو مؤد لنفس اللفظ وحاكٍ له البتة، انتهى كلامه (٤).
﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ (الشر) مفعول قوله: ﴿يُعَجِّلُ﴾، ﴿اسْتِعْجَالَهُمْ﴾ نعت لمصدر محذوف، والتقدير: ولو يعجل الله للناس الشر حين استعجلوه استعجالًا مثل استعجالهم الخير، ثم حذف المصدر المنعوت ونعته وأقيم المضاف إليه مقامه (٥).
وقيل: التقدير: ولو يعجِّل للناس الشرَّ تعجيلًا مثل تعجيله لهم الخير،
(٢) سورة هود، الآية: ١١١. وقرأها ابن كثير، ونافع، وعاصم برواية أبي بكر: (وإنْ كلا) خفيفة. وسوف أخرجها في موضعها إن شاء الله.
(٣) ذكر السمين ٦/ ١٥٦ عن الجرجاني أن (أَن) هنا زائدة، والتقدير: وآخر دعواهم الحمد لله. قال السمين: وهي دعوى لا دليل عليها مخالفة لنص سيبويه والنحويين.
(٤) المحتسب ١/ ٣٠٨.
(٥) هذا الوجه للزجاج ٣/ ٨. وقال النحاس في إعرابه ٢/ ٥٢: هو مذهب الخليل وسيبويه.