والثاني: عطف على محذوف بمعنى: ولكن نهملهم فنذرهم في طغيانهم عمهين، والأول أحسن.
﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿دَعَانَا لِجَنْبِهِ﴾ محل (لجنبه) النصب على الحال من المنوي في ﴿دَعَانَا﴾ بدليل عطف الحالين عليه، أي: دعانا لإزالته مضطجعًا أو قاعدًا أو قائمًا، يعنى في جميع الأحوال.
وأجاز أبو إسحاق أن يكون حالًا أيضًا من المستكن في مَسَّ، أي: مس الإنسان مضطجعًا أو قاعدًا أو قائمًا (١).
والوجه هو الأول، لأجل الفصل بين الحال وذي الحال بجواب (إذا) وذلك ضعيف، وأيضًا فإن المعنى: أن المضرور لا يزال داعيًا لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر، فهو يدعونا في حالاته كلها لا على أن الضر يصيبه في جميع الأحوال، يعضده قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: إذا أصاب الكافرَ ما يكره من فقر أو مرض أو بلاء أو شدة أخلص في الدعاء مضطجعًا كان أو قاعدًا أو قائمًا، وعليه أتى القرآن في مواضع كقوله: ﴿يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ (٢)، وقوله: ﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ (٣) ونحوهما من الآي.
وقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا﴾ في محل النصب على الحال من المستكن في ﴿مَرَّ﴾ أي: مر طاغيًا على ترك الشكر. وأن: هي المخففة من الثقيلة، والأصل: كأنه، على أن الضمير للشأن كقوله:

(١) انظر معاني أبي إسحاق الزجاج ٣/ ٩. وجوزه ابن عطية ٩/ ١٨ أيضًا.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٩١.
(٣) سورة فصلت، الآية: ٥١.


الصفحة التالية
Icon