قيل: ومعنى ﴿يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ﴾: يفسدون فيها ويعيثون متراقين في ذلك ممعنين فيه، من قولك: بغى الجرح، إذا تَرَقَّى في الفساد (١).
وقوله: (إنما بغيُكُمْ على أنفسكُم متاعُ الحياةِ الدنيَا): البغي: التعدي، وهو مصدر قولك: بغى فلان على فلان يبغي بغيًا، إذا تعدى عليه واستطال، وهو مرفوع بالابتداء، وفي خبره وجهان:
أحدهما: (متاعُ الحياة الدنيا)، و ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ صلة البغي، كقوله: ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ﴾ (٢)، وقوله: ﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ (٣)، ولا ذكر على هذا في الظرف الذي هو ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾.
والمعنى: إنما بغيكم على أمثالكم وعلى نظائركم ممن هو جنسه جنسكم، أي: بَغْيُ بعضِكم على بعض منفعةُ الحياة الدنيا لا بقاء لها.
والثاني: ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ و (على) على هذا متعلقة بمحذوف وفيه ذكر يعود إلى المبتدأ، والمصدر مضاف إلى الفاعل، ومفعول المصدر محذوف والتقدير: بَغْي بعضكم على بعض وبالٌ على أنفسكم، أو عائدٌ على أنفسكم، كقوله: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ (٤)، ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ (٥).
وقوله: (متاعُ الحياةِ الدنيا) على هذا خبر مبتدأ محذوف، أي: ذلك،

(١) قاله الزمخشري، والعبارة الأخيرة من (أ)، وهي موافقة لتفسير الزجاج كما حكاه عنه الرازي ١٧/ ٥٨. وأبو حيان ٥/ ١٤٠. والسمين الحلبي ٦/ ١٧٤ لا كما أُثبت في المطبوع من كتاب الزجاج. وفي (ب) و (ط) هكذا: بغى الجرح: إذا تراقى إلى الفساد. وهي موافقة تقريبًا لما نقله الرازي عن الأصمعي، وأبو حيان عن الزمخشري. والعبارة في معاني النحاس ٣/ ٢٨٦ عن الأصمعي. وفي مقاييس اللغة، والصحاح: بغى الجرح، إذا ترامى إلى فساد. فالله أعلم في أيٍّ يكون التصحيف؟.
(٢) سورة الحج، الآية: ٦٠. وكان في الأصل (ومن بغي عليه).
(٣) سورة القصص، الآية: ٧٦.
(٤) سورة فاطر، الآية: ٤٣.
(٥) سورة الفتح، الآية: ١٠.


الصفحة التالية
Icon