فإن قلت: ما الفرق بين الغبرة والغبار؟ قلت: لا فرق كلاهما واحد (١)، أي: لا يغشاها غبار ولا أثر هوان، والذّلة: الهوان.
والمعنى: لا يغشاهم ما يغشى أهل النار من القتر والذلة.
﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ﴾ في (الذين) وجهان:
* أحدهما: رفع بالابتداء، وفيه وجهان:
- أحدهما: في الكلام حذف مضاف تقديره: وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، على معنى: جزاؤهم أن تجازى سيئة واحدة بسيئة مثلها لا يزاد عليها، ثم حذف المضاف.
- والثاني على الظاهر من غير تقدير مضاف، وفي خبره أربعة أوجه:
أحدها (جزاءُ سيئةٍ) وهو مبتدأ، وفي خبره وجهان:
- أحدهما: محذوف، أي: لهم جزاء سيئة مثلها، وإِلباء صلة، فجزاء سيئة مبتدأ، ولهم الخبر، والمبتدأ وخبره خبر قوله: ﴿وَالَّذِينَ﴾.
- والثاني: ﴿بِمِثْلِهَا﴾ وفي الباء وجهان:
أحدهما: صلة بشهادة قوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ (٢).
والثاني: ليست بصلة على معنى: وجزاء سيئة مقدر بمثلها، أي: وجزاء

(١) هذا في الآخرة، أما في الدنيا فقد أخرج الطبري ٣٠/ ٦٣ عن ابن زيد: فأما في الدنيا فإن القترة ما ارتفع فلحق بالسماء، وما كان أسفل في الأرض فهو الغبرة.
(٢) سورة الشورى، الآية: ٤٠.


الصفحة التالية
Icon