وقوله: ﴿فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ زيلنا: فَعَّلنا من زِلْتُ الشيء أزيلُهُ زَيلًا، إذا مِزته وفرقته، يقال: زِلْ ضَأْنَكَ من مِعْزَاكَ (١)، وزيلته فتزيَّلَ، أي: فرقته فتفرق، شُدِّد للتكثير.
وليس قول من قال: إن عين الكلمة واو - لأنه من زال يزول، وإنما قلبت ياء؛ لأن وزن الكلمة فيعل، أي: زيولنا، مثل بيطر وبيقر، فلما اجتمعت الياء والواو على الشرط المعروف قلبت ياء - بمستقيم؛ لأنهم قالوا في مصدره: تزييلًا، ولو كان فَيعَلْنَا كما زعم لقالوا: زيَّلَةٌ، كما قالوا: بيطرةٌ وبيقرةٌ، وأيضًا فإن أهل اللغة قد قالوا: زال الشيء من مكانه يزول زوالًا وأزاله غيره وزوَّله فانزال، ولم يقولوا: زيّله، ولو كان منه لقيل: فزوَّلْنا.
وعن الفراء: أنه قرئ: (فزايلنا بينهم) (٢) كقولهم: صاعر خده وصعَّره، وكالمته وكلَّمته.
﴿فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (٢٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ انتصاب قوله: ثم ﴿شَهِيدًا﴾ على التمييز، بمعنى: كفى بالله من الشهداء، أو على الحال، بمعنى: كفى بالله في حال الشهادة، وقد ذكر فيما سلف من الكتاب (٣).
وقوله: ﴿إِنْ كُنَّا﴾ إن: هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، وقد ذكر أيضًا فيما سلف في غير موضع (٤).
{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ
(٢) معاني الفراء ١/ ٤٦٢. وحكاها عنه النحاس ٢/ ٥٧. ونسبها ابن الجوزي ٤/ ٢٧ إلى ابن أبي عبلة.
(٣) انظر إعرابه للآية (٦) و (٤٥) و (٥٥) و (٧٠) من النساء. وذكر الزجاج ٣/ ١٦ الوجهين دون ترجيح.
(٤) انظر إعرابه للآية (١٤٣) من البقرة.