قوله عز وجل: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ قد مضى الكلام على إعراب هذه الآية في سورة الأنعام (١).
﴿عَلَى﴾ هنا فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: على بابها - وهو الوجه - قيل: وإنما قال: ﴿عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ بلفظ الوجوب، وهو تفضل منه؛ لأنه لما تكفل برزق العباد، وضمن أن يتفضل به عليهم رجع التفضل واجبًا كنذور العباد (٢).
والثاني: بمعنى مِن، أي: من الله رزقها (٣).
والثالث: بمعنى إلى، أي: إلى الله رزقها إن شاء وسعه، وإن شاء ضيقه (٤).
قال أبو إسحاق: الدابة: اسم لكل حيوان مميز وغيبره بني على هاء التأنيث، وأطلق على كل حيوان ذي روح ذَكَرًا كان أو أنثى (٥).
وقوله: ﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ قيل: المستقر مكانه من الأرض ومسكنه، والمستودع حيث كان مُودعًا قبل الاستقرار من صُلْب أو رَحْم أو بيضةٍ (٦). وهما على هذا مكانان، ويحتمل أن يكونا مصدرين بمعنى الاستقرار والاستيداع.
وقوله: ﴿كُلٌّ فِي كِتَابٍ﴾ أي: كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها في اللوح المحفوظ. والمعنى: أن ذلك ثابت في علم الله تعالى لا يعزب عنه شئ.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى
(٢) الكشاف ٢/ ٢٠٨. والمحرر الوجيز ٩/ ١٠٩. ومفاتيح الغيب ١٧/ ١٤٩.
(٣) جامع البيان ١٢/ ١. ومعالم التنزيل ٢/ ٣٧٤. وزاد المسير ٤/ ٧٨.
(٤) انظر معالم التنزيل في الموضع السابق.
(٥) كذا حكاها الرازي ١٧/ ١٤٨ - ١٤٩ عن أبي إسحاق أيضًا.
(٦) الكشاف ٢/ ٢٠٨.