قوله عز وجل: ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ (ما) تحتمل أن تكون موصولة، وأن تكون مصدرية، و ﴿فِيهَا﴾ يحتمل أن يكون متعلقًا بحبط، والضمير فيها للآخرة، وأن يكون متعلقًا بصنعوا والضمير للدنيا.
والمعنى: وحبط في الآخرة ما صنعوا في الدنيا، أو صنيعهم، يعني لم يكن له ثواب؛ لأنهم لم يريدوا به الآخرة إنما أرادوا به الدنيا، وقد وُفِّي إليهم ما أرادوا، أو حبط في الآخرة ما صنعوا فيها، أي: في الدنيا، على ما ذكرت آنفًا من التعلق.
وقوله: ﴿وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ما: موصولة، أي: ما كانوا يعملونه في الدنيا، أو مصدرية، أي: عملهم.
والمعنى: كان عملهم في نفسه باطلًا؛ لأنه لم يعمل لوجه صحيح، والعمل الباطل لا ثواب له. والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها.
وقرئ: (وبَطَلَ) على الفعل (١)، لقوله: ﴿وَحَبِطَ﴾، و: (باطلًا) بالنصب (٢) على أن ﴿مَا﴾ صلة جيء بها للتأكيد، و (باطلًا) منصوب بيعملون، أي: وباطلًا كانوا يعملون، وفي هذه القراءة دلالة على جواز تقديم خبر كان عليها كقولك: قائمًا كان زيد، ووجه الدلالة من ذلك أنه إنما يجوز وقوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل، وباطلًا منصوب بيعملون، فالموضع إذًا ليعملون، لوقوع معموله متقدمًا، فكأنه قال: ويعملون باطلًا كانوا.
ومثله قول الله عز وجل: ﴿أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ (٣)، استدل الشيخ أبو علي بذلك على جواز تقديم خبر كان عليها لأن (إياكم) معمول (يعبدون)، وهو خبر كان، وإنما يجوز وقوع المعمول فيه بحيث يجوز وقوع
(٢) قرأها أُبي، وابن مسعود - رضي الله عنهما -. انظر إعراب النحاس ٢/ ٨٢. والمحتسب ١/ ٣٢٠. ومشكل مكي ١/ ٣٩٤. والمحرر الوجيز ٩/ ١١٩. وحكاها الزمخشري ٢/ ٢١٠ عن عاصم.
(٣) سورة سبأ، الآية: ٤٠.