قوله عز وجل: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ (بشرًا) مفعول ثان؛ لأن الرؤية من رؤية القلب، وقال أبو جعفر: ﴿بَشَرًا﴾، منصوب على الحال (١).
وقوله: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ الجملة في موضع المفعول الثاني، وعلى قول أبي جعفر تكون في موضع الحال و (قد) تكون مرادة معها. و ﴿الَّذِينَ﴾ في موضع رفع فاعل ﴿اتَّبَعَكَ﴾.
والأراذل: يحتمل أن يكون جمع الأرذَل - بفتح الذال - كالأكبر والأكابر، والأحسن والأحاسن، والأسوأ والأساوئ، وفي التنزيل: ﴿أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ (٢).
وفي الحديث: "أحاسنكم أخلاقًا الموطِّئُون أكنافًا، أساوئكم أخلاقًا الثرثارون المتفيقهون" (٣).
وأن يكون جمع الأرذُل - بضم الذال - والأرذُل جمع رَذْلٍ، فيكون جمع الجمع كَكَلْبٍ وأَكْلُبٍ وأكالبٍ.
وقيل: الأراذل جمع أرذال، وأرذال جمع رذل (٤)، وليس بالمتين؛ لأن فَعْلًا إذا كان ساكن العين صحيحًا لا يجمع على أفعال في الأمر العام.
والأراذل: الأَخِسّاء.

(١) إعرابه ٢/ ٨٦. وهذا يعني أنه جعل الرؤية عينية.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٢٣.
(٣) هذا الحديث - بهذا اللفظ - مركب من حديثين، أما العبارة الأولى: وتمامها "إن أحبكم إليَّ أحاسنكم أخلاقًا الموطئون أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون" أخرجها الطبراني في الصغير (٨٣٥). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/ ٢١: فيه ضعف. وأما العبارة الثانية: وهي كاملة هكذا "وأبعدكم مني في الآخرة... المتشدقون". فقد أخرجها الإمام أحمد ٤/ ١٩٣ و ١٩٤. والطبراني في الكبير ٢٢/ ٢٢١ كلاهما بلفظ (محاسنكم) والحديث صحيح. وأورده المنذري في الترغيب والترهيب ٣/ ٤١٢ بلفظ (أسوؤكم)، وعزاه إلى أحمد، والطبراني، وابن حبان. قلت: الشاهد (أحاسنكم) بلفظ الجمع مخرج عند أحمد ٢/ ١٦١ (٦٥٠٤) بإسناد صحيح. وانظر سنن الترمذي (٢٠١٩)، ومعجمي الطبراني كما تقدم، وابن حبان (٤٨٢). والمتفيهقون: هم المتكبرون المتفاصحون الذين يملؤون أفواههم بالكلام.
(٤) قاله العكبري ٢/ ٦٩٤ أولًا.


الصفحة التالية
Icon