وقوله: ﴿كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ محل الكاف نصب على أنه نعت لمصدر محذوف، وما مصدرية، أي: سخرية مثل سخريتكم إذا وقع عليكم الغرق في الدنيا، يقال: سَخِرْت منه أَسْخَر بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر سَخَرًا وسُخْرًا وسخْرية وسُخْريًا ومَسْخَرًا بمعنى. وعن أبي زيد: سَخِرتُ به. قال الجوهري: وهو أردأ اللغتين (١).
﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٩)﴾:
قوله عز وجل: ﴿مَنْ يَأْتِيهِ﴾ من: تحتمل أن تكون موصولة، ومهما النصب بتعلمون، أي: فسوف تعلمون الذي يأتيه عذاب يفضحه ويهلكه، ويعني به إياهم. وأن تكون استفهامية، فيكون محلها الرفع بالابتداء، والخبر ﴿يَأْتِيهِ﴾.
وقوله: ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ﴾ أي: ويجب عليه، يقال: حل العذاب يحِلّ - بالكسر - أي: وجب، ويحُلّ - بالضم - أي: نزل، وبهما قُرِئ قوله عز وجل: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ (٢).
﴿مُقِيمٌ﴾: دائم، وهو عذاب الآخرة، والأول عذاب الدنيا، وهو الغرق على ما فسر (٣).
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠)﴾:
قوله عز وجل: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ في (حتى) وجهان:
أحدهما: أنها غاية لقوله: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ﴾ (٤)، بمعنى: وكان يصنعها
(٢) سورة طه، الآية: ٨١. والقراءتان من المتواتر، أخرجهما في موضعهما إن شاء الله.
(٣) الكشاف ٢/ ٢١٦. وزاد المسير ٤/ ١٠٤.
(٤) من الآية (٣٨) المتقدمة.