كراهة اجتماع الأمثال، وبقيت الكسرة تدل عليها، ولأن النداء باب حذف وتغيير، وقيل: بل حذفت لالتقاء الساكنين هي والراء بعدها.
وقرئ: بفتحها (١) على قلب ياء النفس ألفًا بعد إبدال الكسرة فتحة، فبقي يا بنيا، ثم حذفت الألف، كما حذفت الياء مع الكسرة؛ لأنها أصلها، فكره اجتماع الأمثال نظرًا إلى الأصل دون اللفظ، أو لالتقاء الساكنين، وبقيت الفتحة قبلها تدل عليها، وقد أجريت الألف مجرى الياء في الحذف في مواضع شتى اكتفاء بالفتحة والكسرة عنهما، ألا ترى أنهم قالوا: أصاب الناس جهدٌ ولو تر أهل مكة، فحذفوا الألف من (ترى)، كما ترى، كما حذفوا الياء من نحو: ﴿يَوْمَ يَأْتِ﴾ (٢)، و ﴿يَدْعُ الدَّاعِ﴾ (٣)، والأمثلة كثيرة، وما ذكرت فيه كفاية لمن له قلب ويعرف العربية.
﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ (لا عاصم) يحتمل أن يكون مبنيًّا مع لا على الفتح في موضع رفع بالابتداء، و ﴿مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ الخبر، فيكون متعلقًا بمحذوف، وهو كائن أو مستقر، و ﴿الْيَوْمَ﴾ ظرف لهذا المحذوف.
ولا يجوز أن يكون ﴿الْيَوْمَ﴾ ظرفًا لأمر الله عينه، كما زعم بعضهم؛ لأنه مصدر، ومعمول المصدر لا يتقدم عليه.
ولا يجوز أن يكون ﴿الْيَوْمَ﴾ صفة لعاصم، كما زعم بعضهم؛ لأن

(١) قرأها عاصم وحده. انظر السبعة / ٣٣٤/. والحجة ٤/ ٣٣٣. والمبسوط/ ٢٣٩/. والتذكرة ٢/ ٣٧١.
(٢) من الآية (١٠٥) من هذه السورة.
(٣) سورة القمر، الآية: ٦.


الصفحة التالية
Icon