الوجه الأوّل، وهو أن الياء حذفت حذفًا، وأن التنوين فيه تنوين صرف.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾:
قوله - عز وجل -: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ في موضع رفع بالابتداء، والخبر: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾.
وقوله ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، وقيل: الخبر ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (١)، ويقدر العائد، كأنه قيل: لا نكلف نفسًا منهم ولا من غيرهم إلَّا وسعها، ثمَّ حذف للعلم به، كما حذف في قولهم: السمن منوان بدرهم (٢). وقوله - عز وجل -: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (٣).
فإن قلت: إن جعلت الخبر ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ فأين الراجع إلى المبتدأ؟ قلت: لم يحتج إلى الراجع؛ لأنَّ الخبر هنا هو المبتدأ (٤).
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾:
قوله - عز وجل -: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ (من غل) في موضع نصب على الحال إما من ﴿مَا﴾ والعامل ﴿وَنَزَعْنَا﴾، أو من المستكن في الظرف والعامل الظرف.
(٢) انظر المحتسب ١/ ٢٥٣. والمفصل/ ٣٦/. ومنوان: مثنى منا، كعصا. نوع من الكيل أو الوزن. والشاهد فيه حذف (منه)، والتقدير: السمن منوان منه بدرهم.
(٣) سورة الشورى، الآية: ٤٣.
(٤) يعني أن (أولئك) تعود على (الذين).