قلت: قيل عن هذا جوابان:
أحدهما: أن التاء لما لَمْ تكن عوضًا عن الألف جاز أن يجتمعا.
والثاني: أن هذه الألف ليست بعوض عن ياء النفْس بل ألحقت لأجل امتداد الصوت.
فإن قلت: فأي شبه بين تاء التأنيث وياء النفس حتى جُعلت عوضًا منها؟ قلت: قيل: تشابها في أن كلّ واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره.
فإن قلت: لم جاز إدخال تاء التأنيث على الأب وهو مذكر؟ قلت: قيل: لأنَّ المذكر قد يسمى باسم مؤنث كنفس وعين، ويوصف بما فيه تاء التأنيث نحو: رَجُل ربعة، وغلام يفعة (١)، والدليل على أنَّ التاء التي في ﴿يَاأَبَتِ﴾ تاء تأنيث: قَلْبها هاء في الوقف.
فإن قلت: قد ذكرت قبيل أن هذه الكسرة التي في ﴿يَاأَبَتِ﴾ هي الكسرة التي كانت قبل ياء النفس (يا أبي) جعلت في التاء، إذ لا يكون ما قبل تاء التأنيث إلَّا مفتوحًا، فما بالها لم تسقط بالفتحة التي اقتضتها التاء، وتبقى التاء ساكنة؟ قلت: قيل: امتنع ذلك فيها؛ لأنَّها اسم، والأسماء حقها التحريك لأصالتها في الإعراب، وإنما جاز تسكين الياء وأصلها أن تحرك تخفيفًا؛ لأنَّها حرف لين، وأما التاء فحرف صحيح نحو كشاف الضمير، فلزم تحريكها، وهذا قول الزمخشري (٢).
ثم قال: فإن قلت: يشبه الجمع بين التاء وبين هذه الكسرة الجمع بين العوض والمُعَوَّضِ منه؛ لأنَّها في حكم الياء إذا قلت: يا غلام، فكما لا

(١) يقال: رجل ربْعة، أي مربوع الخَلْق، لا طويل ولا قصير. وغلام يفعة: أي يافع، إذا أشرف على البلوغ مثل مراهق.
(٢) الكشاف ٢/ ٢٤١.


الصفحة التالية
Icon