قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)}:
قوله عز وجل: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ﴾ جملة شرطية محكية بعد فعل الشهادة، قيل: وإنما جازت حكايتها بعد فعل الشهادة وحكمها أن تقع بعد القول، لأن الشهادة نوع من القول، أو على إرادة القول، كأنه قيل: وشهد شأهد فقال: إن كان قميصه (١).
والجمهور على الجر والتنوين في (قُبُلٍ) و (دُبُرٍ)، وقرئ: (مِنْ قُبُلُ) و (مِنْ دُبُرُ) بثلاث ضمات من غير تنوين (٢) على مذهب الغايات، والأصل: من قُبل القميص ومن دُبره، فلما حذف المضاف إليه وهو مراد صار المضاف غاية نفسه بعد ما كان المضاف إليه غاية له، والذي سوغ البناء فيهما كونهما يستعملان ظرفين، بشهادة قول الفرزدق:

٣٢٣ - يُطاعِنُ قِبلَ الخيلِ وهو أمامَها ويَطْعَنُ عن أدبارها إنْ تَوَلَّتِ (٣)
وقول الله جل ذكره: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ (٤) فنصبه على الظرف، أي: وقت إدباره، وهو جمع دبر، قيل: وأما التنكير فمعناه من جهةٍ يقال لها: قُبُلٌ، ومن جهة يقال لها: دُبُرٌ.
وعن ابن أبي إسحاق أنه قرأ: (مِنْ قُبُلَ) و (مِنْ دُبُرَ) بالفتح (٥)، كأنه جعلهما علمين للجهتين فمنعهما الصرف للعلمية والتأنيث. قال أبو إسحاق: ولا أعلم أحدًا من البصريين ذكر الفتح غيره أيضًا (٦).
(١) الكشاف ٢/ ٢٥١.
(٢) قرأها يحيى بن يعمر، وابن أبي إسحاق، وغيرهما. انظر إعراب النحاس ٢/ ١٣٦. والمحتسب ١/ ٣٣٨. والمحرر الوجيز ٩/ ٢٨٤.
(٣) البيت في المحتسب ١/ ٣٣٨. وهو في الديوان ١/ ١٢٧ بشكل مغاير.
(٤) سورة ق، الآية: ٤٠.
(٥) حكاه عنه الزجاج ٣/ ١٠٣. والزمخشري ٢/ ٢٥٢.
(٦) معانيه في الموضع السابق.


الصفحة التالية
Icon