تخفيفًا (١)، وهو كثير شائع في كلام القوم نحو: لم يك، ولا أدر، وشبه ذلك.
وحكى أبو عثمان المازني عن أبي زيد: قال سمعت أعرابيًّا يقول: اللهم اغفر لي ولمن سمعَ حاشا الشيطانَ وابنَ الإصبع. فنصب بحاشا كما ترى، فدل على أنها فعل (٢).
فإن قلت: مذهب صاحب الكتاب - رحمه الله - أن حاشا حرفٌ جارٌّ ليس إلّا، إذ لو كانت فعلًا لجاز أن تكون صلة ر (ما)، كما يجوز ذلك في (خلا)، فلما امتنع أن يقال: جاء القوم ما حاشا زيدًا، دلت على أنها ليست بفعل (٣).

٣٣٠ - إذا قالتْ حَذامِ فَصَدِّقُوها فإنَّ القولَ ما قالتْ حَذامِ (٤)
فما تصنع بالآية على مذهبه؟ قلت: قيل: هي حرف من حروف الجر كما زعم، ولكنها وضعت موضع التنزيه والبراءة في باب الاستثناء، على معنى: براءةً لله وتنزيهًا له من هذا، وهو من التنحي، أي: قد نَحَّى الله يوسف - عليه السلام - من هذا، وقيل: المعنى تنزيه الله من صفات العجز، والتعجب من قدرته على خَلْقِ جميلٍ مثله، وأما قوله: ﴿حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾ (٥) فالتعجب من قدرته على خَلْقِ عَفيفٍ مثله، تعضده قراءة من قرأ: (حاشا اللهِ) بإضافة (حاشا) إلى الله إضافة البراءة، وهو ابن مسعود - رضي الله عنه - (٦).
= والمبسوط / ٢٤٦/. والتذكرة ٢/ ٣٨٠. وهي رواية الأصمعي عن نافع كما في النكت والعيون ٣/ ٣٣. ومفاتيح الغيب ١٨/ ١٠٢ - ١٠٣.
(١) هذه قراءة الباقين، انظر المصادر السابقة.
(٢) انظر هذه الحكاية في المحتسب ١/ ٣٤٢. لكن فيه: (أبا) الأصبع. وهو أجود لظهور علامة النصب في (أبا) والله أعلم.
(٣) انظر الكتاب ٣/ ٣٤٩ - ٣٥٠.
(٤) تقدم هذا الشاهد عدة مرات وخرجته تحت رقم (١٩١).
(٥) آية (٥١) من هذه السورة.
(٦) انظر قراءة ابن مسعود، وتنسب إلى أبي بن كعب رضي الله عنهما أيضًا في المحتسب ١/ ٣٤١. والشواذ/ ٦٣/. والكشاف ٢/ ٢٥٣. والمحرر الوجيز ٩/ ٢٩١.


الصفحة التالية
Icon