تقدم على تقدير: إذا كان أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه. والنهي في اللفظ للحرج، وفي المعنى للمخاطب، كقولهم: لا أرينك ها هنا.
والحرج: الضيق وهو أصله، يقال: حَرِجَ صدرُه يَحْرَجُ حَرَجًا، إذا ضاق. والمعنى: لا يضيق صدرك من تبليغه؛ لأنه - ﷺ - كان يخاف قومه وتكذيبهم وإعراضهم عنه وأذاهم على ما فسر (١).
فكان يضيق صدره من الإِيذاء ولا ينبسط له، فأمَّنه الله ونهاه عن المبالاة بهم. وقيل: الحرج هنا: الشك، عن ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره (٢).
والمعنى: لا تشك في أنه منزل من الله، فالخطاب له عليه الصلاة والسلام والمراد به أمته، كقوله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ (٣).
قال أهل التأويل: وسمي الشك حرجًا؛ لأن الشاك ضيق الصدر حرجه، كما أن المتيقن منشرح الصدر منفسحه (٤).
و﴿مِنْهُ﴾: في موضع الصفة للحرج، والضمير في ﴿مِنْهُ﴾ للكتاب، وقيل: للإِنذار أو للتكذيب، دل عليه المعنى (٥).
وقوله: ﴿لِتُنْذِرَ بِهِ﴾ يحتمل أن يكون متعلقًا بأنزل وفي الكلام تقديم وتأخير، كأنه قيل: كتاب أنزل إليك لتنذر به. وأن يكون متعلقًا بالنهي؛ لأنه إذا لم يُخِفْهُم أنذرهم، والضمير في ﴿بِهِ﴾ للكتاب.
(٢) أخرجه الطبري ٨/ ١١٦ عنه وعن مجاهد، وقتادة، والسدي.
(٣) سورة يونس، الآية: ٩٤. وانظر القول في معاني الزجاج ٢/ ٣١٥. ومعاني النحاس ٣/ ٨. واستبعده القرطبي ٧/ ١٦١.
(٤) كذا في الكشاف ٢/ ٥١ - ٥٢. وقال النحاس في معانيه ٣/ ٨: لأن الشاك لا يعرف حقيقة الشيء، فصدره يضيق به.
(٥) قال ابن عطية ٧/ ٦: وهذا التخصيص كله لا وجه له، إذ اللفظ يعم الجهات التي هي من سبب الكتاب ولأجله، وذلك يستغرق التبليغ، والإنذار، وتعرض المشركين، وتكذيب المكذبين وغير ذلك.