اللهُ الليلَ مكان النهار فيصير أسودَ مظلمًا بعدما كان أبيضَ منيرًا، ويُلْبِس النهارَ مكانَ الليل فيصير أبيض منيرًا بعد ما كان أسودَ مظلمًا، فاجتزأ بذكر أحدهما، والليل والنهار كل واحد منهما مُغْشٍ ومُغْشىً، فالليل يُلْبِس النهار بظلمته، والنهار يجَلِّي الليل بضيائه. فاعرفه فإن فيه أدنى غموض.
﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ الجمهور على رفع قوله: ﴿قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ إما بالابتداء والظرف خبره على رأي صاحب الكتاب رَحِمَهُ اللهُ تعالى، أو بالظرف على مذهب أبي الحسن. وقرئ: (قِطَعًا مُتَجَاوِرَاتٍ) بالنصب (١)، على: وجعل فيها بقاعًا متدانيات تجاور بعضها بعضًا، ومع كونها متلاصقات تتفاضل: فمنها طيبة تنبت، ومنها سبخة لا تنبت.
وقوله: ﴿وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ﴾ قرئ أيضًا: بالرفع والنصب (٢)، والكلام فيهما كالكلام في ﴿قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾، ولك في (جنات) وجه آخر، وهو أن تجعلها مجرورة عطفًا على قوله: ﴿مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ (٣).
وقوله: ﴿وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ قرئ: برفع (زرعٌ) وما عطف عليه (٤) عطفًا على قوله: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ﴾ على: وفي الأرض زرع

(١) قال ابن خالويه في المختصر/٦٦/ هي في بعض المصاحف. ونسبت في التبيان ٢/ ٧٥٠. والإتحاف ٢/ ١٥٩ إلى الحسن.
(٢) العامة على الرفع، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بالنصب. انظر مختصر الشواذ / ٦٦/. والمحرر الوجيز ١٠/ ٩. والقرطبي ٩/ ٢٨٢.
(٣) جوز أبو إسحاق ٣/ ١٣٧. والنحاس في الإعراب ٢/ ١٦٤ هذا الوجه أيضًا.
(٤) هي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وحفص عن عاصم، ويعقوب كما سوف أخرج بعد.


الصفحة التالية
Icon