أحدهما، والخبر يكون على عدد المخبر عنه، فلذلك قدرت (ذوا) دون (ذو). ولك أن تقدر ﴿سَوَاءٌ﴾ بمعنى اسم الفاعل، فيكون في هذا الوجه مثنى في المعنى، ولا حذف على هذا الكلام لا من أوله ولا من آخره، كأنه قيل: من أسر ومن جهر مستويان، كما تقول: هما زَوْرٌ، على الوجهين: إما على: ذوا زور، أو زائران، فاعرفه.
﴿مِنْكُمْ﴾ في موضع نصب على الحال من المنوي في ﴿سَوَاءٌ﴾، ولا يجوز أن يكون حالًا من المنوي في ﴿أَسَرَّ﴾ أو ﴿جَهَرَ﴾؛ لأن ما كان في صلة الموصول لا يتقدم عليه.
وقوله: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ﴾ عطف أيضًا، وكذا (سارب)، والتقدير: ومن هو سارب، لا بد من هذا التقدير حتى يتناول معنى الاستواء المستخفي والسارب، لأنك لو عطفته على ﴿مُسْتَخْفٍ﴾ كان معنى الاستواء متناولًا واحدًا هو مستخف وسارب، اللهم إلا أن تجعل (من) في معنى الاثنين، كقول الفرزدق:

٣٥٢ - تَعَشَّ فإِنْ عَاهَدْتَنِي لَا تَخُونُنِي نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئّبُ يَصْطَحِبَانِ (١)
أي: نكن مثل إنسانين يصطحبان، فحينئذ يجوز عطفًا على ﴿مُسْتَخْفٍ﴾، كأنه قيل: سواء منكم اثنان: مستخف بالليل وسارب بالنهار، أي: مستتر بالليل متوارٍ به، وظاهر في سَرَبه، أي: في طريقه، من قولهم: سَرَبَت الإبل تَسْرُبُ سُرُوبًا، إذا مضت في الأرض ظاهرة حيث شاءت.
ولله در أبي إسحاق حيث أوضح وقال: الجاهر بنطقه والمضمر له في
(١) البيت من شواهد سيبويه ٢/ ٤١٦. ومعاني الفراء ٢/ ١١١. ومجاز القرآن ٢/ ٤١. والمقتضب ٢/ ٢٩٥. والكامل ١/ ٤٧٣. والخصائص ٢/ ٤٢٢. والمحتسب ١/ ٢١٩. والمخصص ١٧/ ٧٥. والكشاف ٢/ ٢٨١.


الصفحة التالية
Icon