وقوله: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ الجمهور على كسر ميم (المِحَال)، وهو فِعَال من المَحْلِ. قال أبو إسحاق: والمَحْلُ في اللغة الشدة (١)، أي: شديد القدرة والقوة، يقال: محل به، إذا غلبه، والمحل أيضًا: المكر والكيد، وهو المشهور في اللغة، يقال: محل به، إذا كاده وسعى به إلى السلطان. وفي الدعاء: "ولا تجعلْه ماحلًا مصدقًا" (٢). والمماحلة: المماكرة والمكايدة، والمعنى على هذا: إنه شديد المكر والكيد لأعدائه، يأتيهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون، يعضده: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (٣)، ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ (٤).
وقرئ: بفتح الميم (٥)، على أنه مْفعَلٌ من حال يحول حولًا ومَحالًا، إذا احتال، ومنه أحول من ذئبٍ، أي: أشد حيلة، وهو أَحْوَلُ منكَ، أي: أكثر حِيلَةً، وما أحوله! ومنه: رجل حُوَلَةٌ، أي: محتال.
﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (١٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾ قال الحسن: ﴿الْحَقِّ﴾ هو الله تعالى (٦)،
(٢) كذا في الصحاح (محل). والنهاية في غريب الحديث ٤/ ٣٠٣. والكشاف ٢/ ٢٨٣ وسموه حديث الدعاء. قال الحافظ في تخريج الكشاف ٩١ - ٩٢: الذي في الحديث "القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق". أخرجه ابن حبان (١٢٤) من حديث جابر - رضي الله عنه -، وأخرجه الطبراني في الكبير (١٠٤٥٠). وأبو نعيم الحلية ٤/ ١٠٨ كلاهما من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. وأبو عبيد في فضائل القرآن/ ٨٢/ من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٣) سورة القلم، الآية: ٤٤
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٥٤.
(٥) يعني (المَحال)، ونسبت إلى الأعرج، وقيل: هي قراءة ابن عباس - رضي الله عنهما -. انظر معاني النحاس ٣/ ٤٨٥. ومختصر الشواذ/ ٦٦/. والمحتسب ١/ ٣٥٦. والكشاف ٢/ ٢٨٣. وعزاها ابن عطية ١٠/ ٢٨ إلى الضحاك أيضًا.
(٦) يعني أن الحق هو الله تعالى. وانظر تفسير الحسن في الكشاف ٢/ ٢٨٣. وزاد المسير =