والثاني: ارتفع بالابتداء، وخبره محذوف على معنى: وظلالهم أيضًا منقادة له. والأول أمتن لاستغنائه عن الحذف.
وقوله: ﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ متعلق بقوله: ﴿يَسْجُدُ﴾ أو بالخبر المحذوف على الوجهين المذكورين، والغدو: أول النهار، وهو في الأصل مصدر قولك: غَدا غُدُوًا، تعضده قراءة من قرأ: (والإيصال) بكسر الهمزة (١)، وهو مصدر آصل إذا دخل في وقت الأصيل، وقيل: الغُدُوُّ جمع غَداةٍ، كقُنِي في جمع قَنَاةٍ، تعضده قراءة الجمهور، وقد ذكرتُ فيما سلف من الكتاب (٢) أن الآصال جمع أُصُلٍ، وأُصْلٌ جمع أصيل، وهو آخر النهار مما بين العصر إلى المغرب، وأن قوله: بالغدو أراد بالغدوات، فعبر بالفعل عن الوقت، كما تقول: أتيتك خُفوقَ النجم، ومَقْدَمَ الحَاجِّ، أي: وقت ذلك.
﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (مَنْ) استفهام تقرير في موضع رفع بالابتداء و ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ﴾ الخبر، أي: من خالقهما ومدبرهما؟
وقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ خبر مبتدأ محذوف إن أقروا في الحال وأقدموا على الجواب، أي: قل هو الله كما قلتم، فقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ حكاية لاعترافهم بذلك وتأكيد له عليهم، أو بالعكس إن لم يقرّوا في الحال ولم يقدموا على الجواب، على معنى: إن سكتوا فلقنهم فإنهم يتلقنونه ولا يقدرون أن

(١) نسبها ابن خالويه /٦٦/ إلى عمران بن حدير. ونسبها أبو الفتح ١/ ٣٥٦. وابن عطية ١٠/ ٣١ إلى أبي مجلز، ولا خلاف لأن عمران يروي عن أبي مجلز لاحق بن حميد.
(٢) انظر إعرابه للآية (٢٠٥) من الأعراف.


الصفحة التالية
Icon