أي: معبودين لكم، فـ ﴿اثْنَيْنِ﴾ مفعول أول، و ﴿إِلَهَيْنِ﴾ ثان. والأول هو الوجه وعليه الأفاضل (١).
وقوله: ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ (إيَّايَ) منصوب بفعل مضمر دل عليه ﴿فَارْهَبُونِ﴾ أي: ارهبوا إياي فارهبون (٢)، إلا أنه حذف لدلالة المفسر عليه، ولا يجوز أن يكون منصوبًا بقوله: ﴿فَارْهَبُونِ﴾ كما زعم بعضهم، لأن الفعل قد استوفى مفعوله، وهو ياء النفْس المحذوفة لدلالة الكَسرة عليها، وقد ذكر هذا في أول "البقرة" عند قوله: ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ (٣) وإنما أعيد هنا تنبيهًا على قول هذا المُعْرِب الساهي، وهو خروج من الغيبة إلى التكلم. قيل: وجاز ذلك، لأن الغائب هو المتكلم، وهو من طريق الالتفات، وهو أبلغ في الترهيب من قوله: فإياه فارهبوه (٤).
﴿وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ انتصاب قوله: ﴿وَاصِبًا﴾ على الحال إما من المنوي في الظرف وهو (له) على رأي صاحب الكتاب، أو من ﴿الدِّينُ﴾ على رأي أبي الحسن، والعامل على المذهبين (له).
والواصب: الدائم، والدين: الطاعة، أي: له الطاعة دائمةً لازمة، يعني: أن الطاعة واجبة له، لأنَّ كل نعمه منه، فالطاعة واجبة له على كل مُنْعَمٍ عليه (٥).

(١) اقتصر الزجاج ٣/ ٢٠٤. ومكي ٢/ ١٦ على الأول. وذكره النحاس أولًا وحكى الثاني بلفظ قيل. وانظر المحرر الوجيز ١٠/ ١٩٥.
(٢) كذا أيضًا قدره ابن عطية ١٠/ ١٩٥. لكن اعترض أبو حيان ٥/ ٥٠١ عليه في أنه ذهول عن القاعدة النحوية التي توجب تأخير الفعل المتعدي لواحد إذا كان مفعوله ضميرًا منفصلًا. وانظر كيف برره السمين ٧/ ٢٣٦.
(٣) الآية (٤٠) منها.
(٤) قاله الزمخشري ٢/ ٣٣٢.
(٥) كون الواصب هو الدائم الواجب: خرجه الطبري ١٤/ ١١٩ - ١٢٠ من قولين. وكذا فعل الماوردي ٣/ ١٩٣. وهو قول أبي عبيدة، والفراء، والزجاج.


الصفحة التالية
Icon