قوله عز وجل: ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ (ظل) جواب (إذا) وهو العامل فيها، و ﴿وَجْهُهُ﴾ اسم ﴿ظَلَّ﴾، و ﴿مُسْوَدًّا﴾ خبره، ويجوز في الكلام رفعه (١) على أن تضمر في ﴿ظَلَّ﴾ اسمه وتجعل الجملة خبره.
قيل: و ﴿ظَلَّ﴾ هنا بمعنى صار، كما تستعمل باتَ وأصبح وأمسى بمعنى الصيرورة. فإن قلت: فَلِمَ عدل عن لفظ صار إلى لفظ ظل؟ قلت: قيل: لأن أكثر الوضع يتفق بالليل، فيظل نهاره مغتمًا لأجل ما بشر به، والعرب تقول: ظل يفعل كذا، إذا فعله نهارًا، هذا أصله، (وصار) لا يختص بوقت دون وقت.
وقوله: ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ الواو للحال، وكظيم فعيل بمعنى مفعول، أي: مملوءٌ حَنَقًا على حليلته. وقيل بمعنى فاعل، أي: كاظمٌ غيظه (٢).
﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١)﴾:
قوله عز وجل: ﴿يَتَوَارَى﴾ في موضع الحال من المنوي في ﴿كَظِيمٌ﴾، أي: متواريًا منهم من أجل سوء المبشر به، ومن أجل تعييرهم.
وقوله: ﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ﴾ أي: يتردد ويتفكر كيف يصنع في أمره، أيمسكه على هَوانٍ، أم يغيبه في التراب مخافة العار؟ وقيل: مخافة الفقر.
{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا

(١) أي رفع (مسودًا). وهو وجه جوزه الفراء ٢/ ١٠٦ والنحاس ٢/ ٢١٣ ونسبه إلى سيبويه.
(٢) هذا قول أبي عبيدة ١/ ٣٦١. واقتصر عليه ابن عطية ١٠/ ١٩٩. والأول للزمخشري ٢/ ٣٣٢ - ٣٣٣ لم يذكر غيره.


الصفحة التالية
Icon