﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (٦٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿نُسْقِيكُمْ﴾ قرئ: بضم النون من أسقى، وبفتحها من سقى (١)، وقد مضى الكلام عليهما فيما مضى (٢)، والمعنى: نبيح لكم شرب ما في بطونه، فعبر عن الإباحة بذلك.
وقوله: ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ (الأنعام): يحتمل أن يكون جمع نَعَمٍ، وأن يكون اسمًا مفردًا مقتضيًا لمعنى الجمع كنَعَم، كذا ذكر صاحب الكتاب - رحمه الله - الأنعام في باب ما لا ينصرف في الأسماء المفردة الواردة على أفعال، قال: وأما أفعال فقد تقع للواحد، من العرب من يقول: هو الأنعام، وقال أبو الخطاب (٣): سمعت العرب يقولون: هذا ثوب أكباش (٤)، انتهى كلامه (٥).
فإذا فهم هذا فقوله جل ذكره هنا: ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾، وفي "المؤمنين": ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهَا﴾ (٦)، فالتذكير على إرادة الجمع أو الجنس، والتأنيث على معناهما، وما عداهما فهو من التعسف والتكلف، فاعرفه (٧).
(٢) انظر إعرابه للآية (٧١) من البقرة. وانظر فيها تفصيلًا أوسع: إعراب النحاس ٢/ ٢١٦.
(٣) هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد، بصري من أئمة اللغة والنحو، أخذ عنه يونس، وأبو عبيدة، وسيبويه وهو الذي شهره. له ألفاظ لغوية انفرد بنقلها عن العرب، ولم يذكر له أحد تاريخ وفاة.
(٤) في (أ): أكباس. وفي (ب): أكياس. والذي أُثبت في سيبويه كما سوف أخرج (أكياش) ولم أجد من ذكرها بالسين. وأوردها صاحب اللسان في كتاب الشين في موضعين، الأول: (كرش). قال: ثوب أكراش، وثوب أكباش. والثاني: (كيش). قال: ثوب أكياش. وفسرها كلها على أنها من برود اليمن. وانظر الأزهري (كبش).
(٥) يعني كلام سيبويه ٣/ ٢٣٠، وهو الذي نقل قول أبي الخطاب.
(٦) الآية (٢١).
(٧) ذكروا في سبب تذكير هذا الضمير أمورًا كثيرة، أوصلها مكي في المشكل ٢/ ١٧ - ١٩ إلى ستة.