و (من) للتبعيض، لأن اللبن بعض ما في بطونه.
وقوله: ﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ﴾ يحتمل أن يكون متعلقًا بـ ﴿نُسْقِيكُمْ﴾، وأن يكون في موضع نصب على الحال، إما من المنوي في الظرف وهو ﴿فِي بُطُونِهِ﴾، أو من قوله: ﴿لَبَنًا﴾ لتقدمه عليه، أي: نسقيكم لبنًا من بين فَرْثٍ، وهو سِرجين الكَرِش (١).
و﴿خَالِصًا سَائِغًا﴾: صفتان للبن، أي: صافيًا لا شوب فيه، وسائغًا، أي: يسوغ في الحلق بسهولة.
وقرئ: (سَيْغًا) (٢)، قال أبو الفتح: هو محذوف من سَيِّغٍ كَمَيْتٍ من مَيِّتٍ، وَهَيْنٍ مِن هَيِّنٍ، وذلك أنه من الواو لقولهم: ساغَ شَرابُه يَسُوغُ، ولو كان سَيْغٌ فَعْلًا لكان سَوْغًا، ومنه قولهم: هو أَخُوه سَوْغُهُ، أي: قابل له غير متباعد عنه، كالشراب إذا قَبِلَتْهُ نَفْسُ شارِبِه، ولم تَنْبُ عنه، انتهى كلامه (٣).
﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ﴾ أي: وإنّ لكم من ثمرات النخيل والأعناب شيئًا، أو ما تتخذون منه (٤)، فالضمير في ﴿مِنْهُ﴾ لأحد المذكورَين، وحذف للعلم به، وحذف (وإن لكم)، لدلالة ﴿وَإِنَّ لَكُمْ﴾ قبله عليه.
وقيل: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ﴾ متعلق بـ ﴿تَتَّخِذُونَ﴾، أي: وتتخذون من ثمرات النخيل، و ﴿مِنْهُ﴾ من تكرير الظرف للتوكيد، كقولك: زيد في الدار فيها (٥).

(١) السرجين، ويقال السرقين: الزبل، معرب. انظر الجواليقي / ١٨٦/.
(٢) قرأها عيسى الثقفي. انظر مختصر الشواذ / ٧٣/. والمحتسب ٢/ ١١. والمحرر الوجيز ١٠/ ٢٠٥ وتقرأ بتشديد الياء أيضًا.
(٣) المحتسب الموضع السابق.
(٤) قدم الطبري ١٤/ ١٣٣ هذا الوجه على الذي قبله.
(٥) قاله الزمخشري ٢/ ٣٣٤.


الصفحة التالية
Icon