وقوله: ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ يحتمل أن يكون متعلقًا بقوله: ﴿وَاخْفِضْ﴾ على: من أجل فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما لكبرهما. وأن يكون حالًا من ﴿جَنَاحَ الذُّلِّ﴾، والمراد بخفض الجناح هنا: ترك الاستعلاء عليهما، مأخوذ من خفض الطائر جناحه عند السقوط.
وقوله: ﴿كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ الكاف على بابه، ومحله النصب على النعت لمصدر محذوف، أي: ارحمهما رحمة مثل رحمتهما إياي حين التربية. وعن أبي الحسن: الكاف بمعنى على، أي: ارحمهما على ما ربياني، وكذا روي عنه في قوله: ﴿كَمَا أُمِرْتَ﴾ (١) أي: على ما أمرت (٢).
وانتصاب قوله: ﴿صَغِيرًا﴾ على الحال من الضمير في ﴿رَبَّيَانِي﴾ المنصوب.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧)﴾:
قوله عز وجل: ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ﴾ أي: للأوابين منكم، فحذف وهو مراد، أو يكون المعنى والتقدير: فإنه كان لكم، فوضع الظاهر موضع المضمر، لأنه أعم، والأواب: فَعَّالٌ من آبَ يؤُوبُ أَوْبًا وَإِيَابًا، إذا رجع.
﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨)﴾:
قوله عز وجل: ﴿ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ﴾ مفعول [له]، أو مصدر في موضع الحال من المنوي في ﴿تُعْرِضَنَّ﴾، أي: مبتغيًا رحمة من ربك، و ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾: في موضع الصفة للرحمة، وكذلك ﴿تَرْجُوهَا﴾، ولك أن تجعل
(٢) نسب هذا القول في (ط) إلى أبي إسحاق، ولم أجده لا عندهما ولا عند غيرهما.