فإن قلت: أي: فرق بين أغنى عنه وبين أغناه؟ قلت: الفرق بينهما ظاهر، وذلك أنه إذا قيل: أغنى عنه، معناه: رفع عنه ما يكرهه، وأغناه: إذا أوصل إليه ما يسره.
وقوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا﴾ الكلام فيه كالكلام في ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ (١). والجزع: انزعاج النفس.
وقوله: ﴿مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ﴾ ابتداء وخبر، والمحيص هنا: يحتمل أن يكون مصدرًا كالمغيب والمشيب، أي: ما لنا من محيص، أي: عدول، وأن يكون مكانًا كالمبيت والمصيف، أي: ما لنا من ملجأ، أي: مكان نعدل إليه.
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٢)﴾:
قوله عز وجل: ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ﴾ (أن دعوتكم) في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، لأن الدعاء ليس من جنس السلطان (٢).
وقوله: ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ أي: ما أنا بمغيثكم فأخرجكم من النار، وأنجيكم منها، ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ أي: لا يُنَجِّي بعضنا بعضًا من عذاب
(٢) هكذا هو استثناء منقطع عند أكثر النحاة والمفسرين. انظر إعراب النحاس، والكشاف، والمحرر الوجيز، والبيان، والتبيان. وجوز أبو حيان ٥/ ٤١٩. وتبعه تلميذه السمين ٧/ ٨٨ أن يكون متصلًا، لأن القدرة على حمل الإنسان على الشيء تارة تكون بالقهر من الحامل، وتارة تكون بتقوية الداعية في قلبه، وذلك بإلقاء الوسواس إليه، فهذا نوع من أنواع التسليط.