هذه الجملة حكم المفرد في قولك: زيد غلامك، في أنه هو المبتدأ في المعنى، وذلك أن قوله: ﴿اللَّهُ رَبِّي﴾ هو الشأن الذي هو عبارة عنه، فلما كانت هذه الجملة هي نفس المبتدأ لم تحتج إلى راجع إليها منها.
ولا يجوز أن يكون ﴿هُوَ﴾ مبتدأ ثانيًا و ﴿اللَّهُ﴾ خبره، و ﴿رَبِّي﴾ صفة لله جل ذكره، والجملة خبر (أنا)، والراجع منها إليه ياء الضمير كما زعم بعضهم (١)، لأن ضمير الشأن لا يكون مفسره إلا جملة، كقولك: هو زيد منطلق، ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا﴾ (٢) ولا أن يكون اسم الله بدلًا من ﴿هُوَ﴾، و ﴿رَبِّي﴾ الخبر كما زعم بعضهم (٣) أيضًا لما ذكرت آنفًا.
فإن قلت: هل يجوز أن تكون ﴿لَكِنَّا﴾ هنا هي المشددة الناصبة كالتي في قوله عز وجل: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ (٤)، ﴿وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (٥) قلت: لا، لأن ﴿لَكِنَّا﴾ هذه لو كانت تلك، لما جاز وقوع الضمير المرفوع بعدها، وتعضده أيضًا قراءة من قرأ: (لكن أنا هو الله ربي) على الأصل وهو أبي بن كعب - رضي الله عنه - (٦) وقراءة من قرأ: (لكن أنا لا إله إلا هو ربي) وهو عبد الله - رضي الله عنه - (٧)
وأكثر القراء على حذف ألف ﴿لَكِنَّا﴾ في الوصل، وعلى إثباتها في الوقف، لأن الاسم من (أنا) عند البصريين هو الهمزة والنون، والألف زيدت

(١) هو ابن الأنباري في البيان ٢/ ١٠٨.
(٢) سورة طه، الآية: ٧٤.
(٣) هو العكبري في التبيان ٢/ ٨٤٨.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٠٢.
(٥) سورة يونس، الآية: ٤٤.
(٦) انظر قراءته هذه - وهي قراءة الحسن أيضًا - في إعراب النحاس ٢/ ٢٧٦. ومختصر الشواذ / ٨٠/. والمحتسب ٢/ ٢٩. والكشاف ٢/ ٣٩٠.
(٧) كذا حكاها عنه الزمخشري في الموضع السابق. وحكاها عنه ابن خالويه (لكن هو الله ربي لا إله إلا هو). وجعل ابن عطية ١٠/ ٤٠٣ قراءته مثل قراءة أبي. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon