وقيل: فاعل الفعل الذي هو (اتخذ): موسى - عليه السلام - (١)، بمعنى: واتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا، [أي: عجب عجبًا] من سلوك الحوت سبيله في البحر من غير أن يلتئِمَ الماء بعد سروبه، وذلك أن أثر الحوت بقي بعد انسيابه فيه، وذلك عجب. وقيل: جمد الماء تحته. وقيل: صار الماء صحراء. وقيل: بقي أثره كالكوة، وهذا كله مما يتعجب منه (٢).
﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (٦٤)﴾:
قوله عز وجل: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ مبتدأ، وما بعده خبره، و ﴿مَا﴾ موصولة، والإشارة في ذلك إلى اتخاذه سبيلًا، أي: ذلك الذي كنا نبغيه، أي: نطلبه.
وقوله: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ (قصصًا) مصدر فعل محذوف، أي: فرجعا في السبيل الذي سلكاه يقصان الأثر قصصًا (٣)، والقصص اتباع الأثر، كأنه قيل: يتبعان آثارهما اتباعًا.
وقيل: هو في موضع الحال، أي: فارتدا مقتصين (٤)، كقولك: أتيته مشيًا، أي: ماشيًا.
وقيل: بل هو مصدر ﴿فَارْتَدَّا﴾ على المعنى (٥)، لأن معنى ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا﴾: اقتصا آثار أقدامهما.
﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (٦٥)﴾:
(٢) انظر هذه الأقوال في جامع البيان ١٥/ ٢٧٤. وزاد المسير ٥/ ١٦٦.
(٣) انظر هذا الوجه في معاني الزجاج ٣/ ٣٠٠. وإعراب النحاس ٢/ ٢٨٤. ومشكل مكي ٢/ ٤٦.
(٤) قاله الزمخشري ٢/ ٣٩٦. والعكبري ٢/ ٨٥٥.
(٥) قاله العكبري ٢/ ٨٥٥ مقدمًا إياه على الوجهين السابقين.