لأنهم كتبوها كالكلمة الواحدة لا يوقف على بعضها دون بعض.
وقد مضى الكلام على معاني الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بأشبع ما يكون، فأغناني عن الإعادة هنا.
ومحلها الرفع على إضمار مبتدإٍ، أو النصب على إضمار فعل، أو الجر على تقدير: هذه سورة ﴿كهيعص﴾ على قول من جعلها اسمًا للسورة، أو يكون مُقْسَمًا به، كأنه قال: أقسم بـ ﴿كهيعص﴾ سواء كان اسمًا للسورة، أو اسمًا للقرآن، أو اسم الله الأعظم على ما فسر (١).
﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣)﴾:
قوله عز وجل: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾ خبر مبتدإٍ محذوف، أي: هذا المتلو من القرآن ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾، أو بالعكس، أي: فيما يتلى عليك ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾.
وعن الفراء: أن ﴿كهيعص﴾ مبتدأ، و ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ﴾ خبره (٢). وأنكر أبو إسحاق وغيره ذلك وقال: لأن ﴿كهيعص﴾ ليس هو مما أنبأ الله به عن زكريا - عليه السلام -، وقد بَيّن في السورة ما فعله به وبشره به (٣). وأيضًا فإن الخبر هو المبتدأ في المعنى، وليس في ﴿كهيعص﴾ ذكر الرحمة. ولا في ذكر الرحمة معناها (٤). وهذا ليس بشيء، لأن من جعل ﴿كهيعص﴾ اسمًا للقرآن، أو اسمًا للسورة كان مشتملًا على ذكر الرحمة، وكان ذكر الرحمة داخلًا تحته، أي: هذا القرآن، أو هذه السورة ذكر رحمة ربك.
(٢) معاني الفراء ٢/ ١٦١. وأجاز الوجه الأول.
(٣) معاني الزجاج ٣/ ٣١٨.
(٤) هكذا رد العكبري ٢/ ٨٦٥ على الفراء.