قوله عز وجل: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ الجمهور على كسر الخاء وإسكان الفاء وضم التاء من الخوف، وأصله: خَوِفْت فنقلت حركة العين إلى الفاء بعد أن أزيلت حركتها، لأنها لا تتحرك بحركة وهي متحركة بأخرى، ثم حذفت لالتقاء الساكنين هي واللام، لاتصالها بالضمير، فبقي خِفْتُ، ووزنه فِلْتُ، وفي الكلام حذف مضاف، أي: خفت فعل الموالي، وهو تضييعهم الدين وتبديلهم إِياه، وأن يفعلوا ما شاهد منهم من سيئ الأفعال، أو فوات الموالي، لا بد من تقدير الحذف، لأن الخوف لا يكون من الأشخاص والأعيان، إنما يكون من الأحداث والمعاني، ألا ترى أنك إذا قلت: خفت الله، أو خفت الوالي، كان المعنى عقابه وظلمه.
والمراد بالموالي على التقدير الأول: عصبته، إخوته وبنو عمه، وكانوا أشرار بني إسرائيل على ما ورد في التفسير (١). فخافهم، والمعنى: على تضييعهم الدين، ونبذهم إياه، وإطرادهم له، وعلى التقدير الثاني: الورثة، بمعنى: خفت ألا يبقى لي من يرث علمي. و ﴿مِنْ وَرَائِي﴾ من صلة هذا المحذوف المقدر، ولا يجوز أن يكون من صلة ﴿خِفْتُ﴾ كما زعم بعضهم لفساد المعنى (٢).
وقرئ: (خَفَّت الموالِيْ) بفتح الخاء والفاء مشددة وإسكان التاء (٣)، والموالي فاعل، بمعنى قلوا ونقصوا، يقال: خَفَّ القوم يخف خُفُوفًا، أي: قلوا، وقد خَفَّتْ زحمتهم.
وقوله: ﴿مِنْ وَرَائِي﴾ فيها وجهان، احدهما: بمعنى خلفي وبَعدي.

(١) انظر النكت والعيون ٣/ ٣٥٥. والكشاف ٢/ ٤٠٥.
(٢) انظر في هذا أيضًا الكشاف الموضع السابق.
(٣) رويت عن عثمان وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم -. انظر معاني الفراء ٢/ ١٦١. وجامع البيان ١٦/ ٤٧. ومعاني النحاس ٤/ ٣١٠. ومختصر الشواذ / ٨٣/. والمحتسب ٢/ ٣٧. والمحرر الوجيز ١١/ ١٣.


الصفحة التالية
Icon