الأمر العام، وأما التفاعل فلا يكون إلا شيئًا بعد شيء، وهذا شيء يعرفه أهل الطباع والمعاني، ولا ينكره إلا عارٍ منهما.
و﴿جَنِيًّا﴾ فعيل بمعنى مفعول، وقيل: هو بمعنى فاعل (١). والجني: الطري، وقرئ: (جِنيًا) بكسر الجيم (٢) على الإتباع، كالمِغِيرة تشبيهًا للنون بحروف الحلق، وإن لم تكن منهن، وذلك أن النون متعالية، وهن سوافل، وكل في شقه مُضَاهٍ لصاحبه، والقوم يُجْرُون الشيء مجرى نقيضه، كما يجرونه مجرى نظيره.
﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ يقال: قَرِرْتُ به عينًا أَقَرُّ بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر، وقَرَرْتُ به أيضًا أَقِرُّ بفتح العين في الماضي وكسرها في الغابر قُرَّةً وقُرُورًا فيهما لغتان بمعنى، وقد قرئ بهما (٣) غير أن اللغة الأولى أفصح، وعليها الجمهور من القُرّاء، والأمر على اللغة الأولى (قَرِّي) بفتح القاف، والأصل: اقْرَرِي فنقلت حركة الراء إلى القاف، وأدغمت في الثانية، فبقي (قَرِّي). وعلى الثانية (قِرِّي) بكسر القاف، والأصل: اقْرِرِي، فنقلت الحركة وأدغمت فبقي قِرِّي كما ترى. و ﴿عَيْنًا﴾: نصب على التمييز.
وقوله: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ (فإما) أصله: (إنْ ما) (إِنْ) هي الشرطية، و (ما) صلة للتأكيد. وأصل (تَرَيِنَّ): تَرْأَيين كَتَرْعَيِين، ووزنه:
(٢) هي قراءة طلحة بن سليمان. انظر المحتسب ٢/ ٤١. والكشاف ٢/ ٤٠٩. والمحرر الوجيز ١١/ ٢٤.
(٣) الجمهور على فتح القاف، وهي لغة قريش. وقرئ بكسرها وهي لغة أهل نجد. كذا حكى الإمام الطبري في جامع البيان ١٦/ ٧٤. وانظر الكشاف ٢/ ٤٠٩. والمحرر الوجيز ١١/ ٢٥.