قوله عز وجل: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾ محل قوله: ﴿تَحْمِلُهُ﴾ النصب على الحال، إما من المنوي في قوله: ﴿فَأَتَتْ﴾، أو من الهاء في ﴿بِهِ﴾ أي: حاملة أو محمولًا، لأن لكل منهما في الحال ضميرًا، أو منهما جميعًا، لأن فيه ذكرهما، وقد ذكر في "الأعراف" عند قوله: ﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ (١). و ﴿بِهِ﴾: يجوز أن يكون من صلة (أتت)، وأن يكون في موضع الحال من المستكن فيه.
وقوله: ﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ (شيئًا) يجوز أن يكون مفعولًا به، وأن يكون واقعًا موقع مجيئًا، كقوله: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (٢) فيكون مصدرًا، و ﴿فَرِيًّا﴾ صفته على كلا التقديرين، أي: مصنوعًا مختلفًا، من قولهم: فلان يَفْرِي الفَرِيَّ، إذا كان يأتي بالعجب في عمله مبالغًا فيه (٣)، وقال:
٤٢٠ - * قَدْ كُنْتِ تَفرِينَ به الفَرِيّا (٤) *
أي: كنت تكثرين فيه القول وتعظمينه. وقيل: عظيمًا (٥). وقيل: منكرًا فظيعًا (٦).

(١) الآية (٥٤) منها.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٢٠.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ١٦٦. ومجاز القرآن ٢/ ٧. ومعاني الزجاج ٣/ ٣٢٧. وجمهرة العسكري ١/ ٢٥١. وفي الصحيحين في فضائل سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال: "فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريّه". البخاري (٣٦٨٢). ومسلم (٢٣٩٣).
(٤) رجز نسبه ابن منظور (فري) إلى زرارة بن صعب يخاطب العامرية، وقبله:
قد أطعمتني دَقَلًا حوليا مسوسًا مدودًا حجريا
وانظره في معاني الفراء ٢/ ١٦٧. وجامع البيان ١٦/ ٧٦. ومقاييس اللغة ٤/ ٤٩٧. والصحاح (فرا). والقرطبي ١١/ ١٠٠.
(٥) أخرجه الطبري ١٦/ ٧٦ - ٧٧ عن مجاهد، وقتادة، والسدي.
(٦) انظر تفسير الرازي ٢١/ ١٧٧. وعبر عنه الطبري في الموضع السابق بالفاحشة غير المقاربة. وعبر عنه الماوردي ٣/ ٣٦٨ بالقبيح والباطل.


الصفحة التالية
Icon