وقوله: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (الحسنى) تأنيث الأحسن وُصفت بها الأسماء، لأن حكمها حكم المؤنث، كقولك: الجماعة الحسنى، ونظيرها: ﴿مَآرِبُ أُخْرَى﴾ (١)، ومِنْ ﴿آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾ (٢)، ﴿حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ (٣) ونحو ذلك، والمراد بالأسماء الصفات، لأن كل واحد منها يدل على معنى هو صفة من صفاته.
﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (١٠)﴾:
قوله عز وجل: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ الاستفهام بمعنى التقرير، أي: قد أتاك، وقيل: هو بمعنى النفي (٤)، أي: لم يأتك، ثم أخبره به. فقال: ﴿إِذْ رَأَى نَارًا﴾ و (إذ) يجوز أن يكون ظرفًا للحديث، لأنَّ معناه: قد أتاك صنيع موسى إذ قال، وأن يكون ظرفًا لمضمر دل عليه قوله: ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾. وأن يكون مفعولًا به على معنى: اذكر إذ قال، ولا يجوز أن يكون ظرفًا لـ ﴿أَتَاكَ﴾ كما زعم بعضهم، لأن الإتيان لم يكن في ذلك الوقت.
وقوله: ﴿لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ أي: أقيموا في مكانكم، والمكث: اللبث.
﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ الإِيناس: إبصار الشيء الذي يُسكن إليه من بعيد. وقيل: هو الإبصار البيّن الذي لا شبهة فيه، ومنه إنسان العين - وهو المثال الذي يُرى في السواد - لأنه يتبين به الشيء، والإنس لظهورهم، كما قيل الجن لاستتارهم (٥).

(١) آية (١٨) من هذه السورة.
(٢) آية (٢٣) من هذه السورة أيضًا.
(٣) سورة النمل، الآية: ٦٠.
(٤) قاله الكلبي كما في مفاتيح الغيب ٢٢/ ١٣. والقرطبي ١١/ ١٧١. وأكثر المفسرين على الأول. انظر النكت والعيون، ومعالم التنزيل، وزاد المسير المواضع السابقة.
(٥) من الكشاف ٢/ ٤٢٨.


الصفحة التالية
Icon