قوله عز وجل: ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ في (ما) وجهان:
أحدهما: موصول، وفي محله وجهان - أحدهما: الرفع بالابتداء والخبر محذوف، أي: وما أكرهتنا عليه من السحر محطوط أو موضوع عنا. والثاني: النصب عطفًا على الخطايا، على معنى: إنا آمنا بربنا ليغفر لنا الكفر الذي كنا عليه، والذي أكرهتنا عليه من السحر. و ﴿مِنَ السِّحْرِ﴾ على الوجه الأول: حال من الهاء في ﴿عَلَيْهِ﴾، وعلى الثاني: حال من (ما)، أو من الهاء.
وأنكر أبو علي هذا الوجه، وهو أن يكون عطفًا على الخطايا (١) لأمرين - أحدهما: أنهم قالوا: ﴿أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ [الشعراء: ٤١]، فهذا يدل على أنهم لم يكرهوا، وهذا فيه ما فيه، لأن طلبهم الأجر لا يدل على عدم الإكراه. والثاني: أنهم لو كانوا مكرهين، لم يكن ما أكرهوا عليه ذنبًا لهم، لأنّ الإكراه فعل المُكْرِهِ فإثمه عليه، وهو موضوع عن المُكْرَهِ.
والوجه الثاني: أن تكون (ما) نافية، و ﴿مِنَ السِّحْرِ﴾ حال من الخطايا، وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: ليغفر لنا خطايانا من السحر ولم تكرهنا عليه.
﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦)﴾:
قوله عز وجل: ﴿إِنَّهُ﴾ الضمير ضمير الشأن أو الأمر.
﴿مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا﴾ (مجرمًا) منصوب على الحال من المنوي في

(١) لكن قدمه كلٌ من النحاس، ومكي، وابن الأنباري، والعكبري. واقتصر عليه الفراء ٢/ ١٨٧. والزجاج ٣/ ٣٦٩.


الصفحة التالية
Icon