﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (٨٩) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠)﴾:
قوله عز وجل: ﴿أَلَّا يَرْجِعُ﴾ الجمهور على رفع قوله: ﴿يَرْجِعُ﴾ على أنَّ (أَنْ) هي المخففة من الثقيلة الناصبة للأسماء، واسمها مضمر، و (لا) كالعوض منه، أي: أفلا يرون أن هذا العجل لا يرد لهم جوابًا إذا كلموه؟ بشهادة قوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ﴾ (١) وقرئ: بالنصب (٢)، على أنها الناصبة للأفعال، والرؤية على هذه القراءة من رؤية العين لا من رؤية القلب، لأن تلك بمعنى العلم، والعلم لا يقع بعده (أن) الناصبة للأفعال، لو قلت: علمت أن يقوم زيد، لم يجز، وأما قول أبي إسحاق: ﴿تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾: توقن (٣). وتابعه على هذا جمهور المفسرين، فهو سهو منه وغلط منهم، لما ذكرت آنفًا، أن (أن) الناصبة لا تقع بعد العلم واليقين، وإنما المعنى: تتوقع أن يفعل، فاعرفه فإنه موضع.
وقوله: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل مجيء موسى - عليه السلام - من الطور. وقيل: من قبل أن يقول لهم السامري ما قال، كأنهم أول ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة افتتنوا به واستحسنوه، فقبل أن ينطق السامري بادرهم هارون - عليه السلام - بقوله: ﴿إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ﴾ (٤).
﴿قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (٩١) قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣)﴾:

(١) سورة الأعراف، الآية: ١٤٨.
(٢) قرأها أبو حيوة. كما في مختصر الشواذ / ٨٩/. والبحر ٦/ ٢٦٩. والدر المصون ٨/ ٩١.
(٣) انظر معانيه ٥/ ٢٥٣ - ٢٥٤ عند تفسير الآية (٢٥) من سورة القيامة.
(٤) القول للزمخشري ٢/ ٤٤٤.


الصفحة التالية
Icon