﴿يَدْعُوا﴾ هنا على وجهين لأجل اللام الداخلة على مَنْ، وذلك أن اللام إذا دخلت على الجملة عَلّقت الفعل الذي قبلها عن العمل فيها لفظًا لا تقديرًا إذا كان من أفعال القلوب، نحو: علمت لزيد منطلق، (ويدعو) ليس منها:
أحدهما: أن يكون عاملًا فيما بعده لفظًا أو تقديرًا، وفيه أوجه - أحدها: وهو قول الكسائي وغيره من أهل الكوفة: إن اللام في غير موضعها، و (مَنْ) في موضع نصب بـ ﴿يَدْعُوا﴾ والتقدير: يدعو من لضره أقرب من نفعه، وإنما قدمه كما تُقَدَّم أشياء في كلامهم وتؤخر لأسباب وأغراض، ولعمري صدق فيما زعم أن أشياء تقدم وتؤخر في كلام القوم لأغراض وأسباب، ولكن خفي عليه من أنه إذا كان التقدير: يدعو من لضره [أقرب من نفعه] (١)، تكون اللام في صلة (من)، وما كان في صلة الموصول لا يتقدم عليه، لا أعرف فيه خلافًا بين أهل هذه الصناعة. والثاني: اللام مزيدة و (مَنْ) مفعول ﴿يَدْعُوا﴾، و ﴿ضَرُّهُ﴾ مبتدأ، و ﴿أَقْرَبُ﴾ خبره، والجملة صلة (مَنْ)، لأن الدعاء قول. والثالث: وهو قول أبي الحسن (٢): أنّ ﴿يَدْعُوا﴾ بمعنى: يقول، تعضده قراءة من قرأ: (يَدْعُو مَنْ ضره) بغير لام، وهو عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - (٣). و (من) في موضع رفع بالابتداء، والجملة التي بعده صلته، والخبر محذوف، والتقدير: يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلاهه، وموضع الجملة نصب بالقول، ومثل (يدعو) في معنى يقول (٤) قول عنترة:

٤٥١ - يَدْعُونَ عَنْتَرُ والرِّمَاحُ كَأَنَّهَا أَشْطَانُ بِئْرٍ فِي لَبَانِ الأَدْهَمِ (٥)
(١) من (أ) فقط.
(٢) معانيه ٢/ ٤٥٠. وحكاه عنه النحاس في الإعراب ٢/ ٣٩٢.
(٣) انظر قراءته - رضي الله عنه - في معاني الفراء ٢/ ٢١٧. ومعالم التنزيل ٣/ ٢٧٧. والكشاف ٣/ ٢٧. والمحرر الوجيز ١١/ ١٨١.
(٤) في (أ): ومثل (يدعو) في موضع القول.
(٥) من معلقته المشهورة. وانظره في شرح السبع الطوال لابن الأنباري، وشرح المعلقات المشهورات للنحاس، وجمهرة أشعار للعرب للقرشي. والبيت من شواهد سيبويه ٢/ ٢٤٦. ومعاني الزجاج ٣/ ٤١٦. ومعاني النحاس ٤/ ٣٨٥. والمحتسب ١/ ١٠٩.


الصفحة التالية
Icon