مكان المستقبل والمستقبل مكان الماضي شائع في كلام القوم، وفي الكتاب العزيز كثير شائع وشهرته تغني عن ذكره (١).
وقوله: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً (٢) الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ الجعل هنا يجوز أن يكون بمعنى التصيير فيتعدى إلى مفعولين، وأن يكون بمعنى الخلق والبناء فيتعدى إلى مفعول واحد، فالضمير في ﴿جَعَلْنَاهُ﴾ الراجع إلى المسجد هو المفعول الأول على الوجه الأول، وفي الثاني أوجه:
أحدها: ﴿لِلنَّاسِ﴾ فيكون مستقرًا، أي: جعلناه ثابتًا بهم [على معنى: أنه جعل لهم منسكًا ومتعبدًا] (٣). وقوله: ﴿الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ (العاكف) مبتدأ، و (الباد) عطف عليه، و (سواءٌ) خبر مقدم، ومحل الجملة النصب على الحال. إما من المنوي في المستقر والعامل فيها، قال أبو علي: الظرف نفسه. أو من الضمير في ﴿جَعَلْنَاهُ﴾ الراجع إلى المسجد والعامل فيها الفعل، على معنى: أنه جعل لهم منسكًا ومتعبدًا، والمعنى: العاكف والبادي فيه سواء ليس أحدهما أحق به من صاحبه، واستواء العاكف فيها والبادي دلالة على أن أرض الحرم لا تملكْ، ولو ملكت لم يستويا فيه، وصار العاكف فيها أولى بها من البادي لحق ملكه، ولكن سبيلها سبيل المساجد التي مَن سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليه، فسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به، انتهى كلامه (٤).
والثاني: أن يكون ﴿لِلنَّاسِ﴾ ظرفًا أو حالًا والجملة بعده في موضع المفعول الثاني.
(٢) بالرفع على قراءة الجمهور غير حفص كما سوف أخرج.
(٣) ساقطة من (أ) و (ب).
(٤) الحجة ٥/ ٢٧٠ - ٢٧١.