الكتاب في أوائل السور (١).
﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (٢)﴾:
قوله عز وجل: (رُبَّمَا) قرئ: بتشديد الباء وتخفيفها (٢)، وهما لغتان. قال أبو إسحاق: العرب تقول: رب رجل جاءني، ويخففون. انتهى كلامه (٣).
والتشديد هو الأصل، بشهادة قول صاحب الكتاب - رحمه الله - تعالى: لو سميت رجلًا برب المخففة ثم حقرته لقلت: رُبَيْبٌ (٤)، فرددته إلى أصله، كما أنت لو حقرت (مذ) لقلت (منيذ) لأنَّ الأصل منذ.
وحُكي فيها ثماني لغات: منهن المذكورتان آنفًا، والثالثة والرابعة كالمذكورتين غير أن الراء فيهما مفتوحة، فهذه أربع لغات، ويجوز ضم الباء مع التخفيف والراء مضمومة، وإسكانهما مع ضم الراء وفتحها، وأما الأربع الأُخر: فبتاء التأنيث مع التخفيف والتشديد والضم والفتح، فالتخفيف والتشديد في الباء، والضم والفتح في الراء (٥).
وبعد: فإن رب حرف جار عند صاحب الكتاب - رحمه الله - تعالى (٦)، وعند أبي الحسن: هو اسم (٧). والدليل على مذهب صاحب الكتاب: امتناع

(١) انظر إعرابه لأول سورة البقرة.
(٢) كلاهما من المتواتر، فقد قرأ أبو جعفر، ونافع، وعاصم بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد. انظر السبعة / ٣٦٦/ والحجة ٥/ ٣٥. والمبسوط / ٢٥٩/.
(٣) معانيه ٣/ ١٧١.
(٤) كذا حكاه النحاس ٢/ ١٨٩ عن سيبويه، وانظر عبارة سيبويه في كتابه ٣/ ٤٥٢.
(٥) انظر أوجه (رب) الثمانية في إعراب النحاس ٢/ ١٨٩. وشواذ ابن خالويه / ٧٠/ ومشكل مكي ٢/ ٣. وقال ابن هشام في المغني / ١٨٤/: فيها ست عشرة لغة.
(٦) الكتاب ١/ ٤٢٠.
(٧) انظر مذهب الأخفش - وهو مذهب الكوفيين أيضًا - في البحر ٥/ ٤٤٢. والدر المصون ٧/ ١٣٧. والخزانة ٩/ ٥٧٦. وانظر المسألة مفصلة في الإنصاف ٢/ ٨٣٢ - ٨٣٤.


الصفحة التالية
Icon